كتبت باولا عطية في “المدن”:
شارفت مهلة الأسبوع، التي أعطاها وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، على الانتهاء. حيث من المتوقّع أن يصدر قراره الرسمي بدولرة أسعار السلع الغذائية الاستهلاكية في مطلع الأسبوع المقبل. ومن باب السلع الغذائية، يكون لبنان قد دخل في أولى خطواته الرسميّة نحو الدولرة الشاملة، بعد سلسلة قرارات رفع الدعم عن المحروقات والطحين والأدوية، والتي تلاها ،إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عن سعر صرف رسمي جديد لليرة اللبنانية، هو 15 ألف ليرة للدولار الواحد.
فما انعكاسات قرار دولرة أسعار السلع الغذائية والاستهلكية على الاقتصاد وعلى القدرة الشرائية للمواطنين؟
في هذا الإطار رأى وزير الاقتصاد أنّ “التسعير بالدولار يحافظ على السعر من دون ربطه بارتفاع سعر الصرف، مع منع إضافة الهوامش بالليرة”، مشيراً إلى أنّنا “نمرّ اليوم بظرف استثنائيّ يوجب اتخاذ إجراء استثنائيّ، ولفترة زمنية محدّدة”، موضحاً أنّه “إجراء بات لا بدّ منه في ظلّ تقلّبات سعر الصرف المتواصلة صعوداً، مع دولرة جميع السلع الأخرى، وسط غياب كلّي لأيّ إجراء ماليّ قد يسعف ما فقدته الليرة اللبنانية من قيمة هائلة”. ولفت إلى أنّ السوبرماركات ستقوم بتعليق سعر الصرف المعتمد عند الدفع باللبناني، على أبواب مداخلها”.
تفاؤل بانخفاض الأسعار
لا يجد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي “أيّ سلبيّات أكثر من الإيجابيات في خطوة دولرة أسعار السلع”. موضحاً في حديث لـ”المدن”، أنّ “دولرة الأسعار ستمنع التسعير العشوائي للسلع على الرفوف في السوبرماركت، وستثبّت أسعار السلع في مختلف المتاجر. الأمر الذي سيفعّل المنافسة بين أصحاب المتاجر، الذين من مصلحتهم عرض السعر الأفضل للمستهلك، ما قد يؤدّي إلى انخفاض أسعار السلع بنحو 7%”.
“كما أنّ هذه الخطوة، ستلغي هامش الفرق الذي كان يضيفه صاحب المتجر على السلع المسعّرة باللبناني، لضمان ربحه من فارق سعر الصرف الذي يتأرجح صعوداً ونزولاً. فالسعر أصبح بالدولار على الرفّ، وباللبناني على الفاتورة، وفق سعر صرف السوق الموازية”، وفق بحصلي، الذي رأى أنّ “التسعير بالدولار، سيسمح للمواطنين بمقارنة الأسعار بشكل أوضح بين متجر وآخر، وبالتالي سيسهّل على المستهلك عمليّة اختيار المتجر الأنسب له، ومحاسبة المتاجر التي تتلاعب بأسعار السلع. كما وأنّ هذه الخطوة ستسهّل عمل وزارة الاقتصاد بالإشراف على توحيد ضبط أسعار السلع في المتاجر”.
ويوضح بحصلي أنّ “قانون حماية المستهلك لا يفرض التسعير بالليرة اللبنانية فقط، بل يسمح بأي تسعيرة وما يعادلها بالليرة اللبنانية. والمهم في العملية أن يعرف المستهلك السعر الصحيح أمامه، لا أن يكون على الرف شيء وعلى الصندوق شيء آخر”، رافضاً تحميل التجار مسؤولية الانهيار، ومشدداً على “أننا نحاول تأمين حلول آنيّة فيما من يتحمّل المسؤولية الحقيقية هي الدولة، ونحن لم نحلّ الأزمة، ولكننا تمكّنا من إلغاء الفوارق بالأسعار والتقلبات بين يوم وآخر وبين متجر وآخر. وهي ليست إلا حلول مرحليّة”.
وتفاءل بحصلي “بآخر تقرير صدر عن منظمّة “الفاو” العالميّة، والذي توقّع أن يشهد العالم انخفاضاً بالأسعار، بعد الارتفاع الحاد الذي شهدته معظم الأسواق العالميّة بسب الحرب الأوكرانية الروسية”.
وعن مخاطر دولرة الأسعار، في الوقت الذي يسدّد فيه التجّار ضريبتهم (ضريبة الجمرك) بالليرة اللبنانية، وفق سعر الـ15 ألف ليرة، أجاب بحصلي “الضريبة ارتفعت ولم تنخفض، حيث كان التاجر يدفع ضريبته الجمركيّة وفق سعر الـ1500 ليرة أمّا اليوم فيدفعها على سعر الـ15 ألف ليرة. أمّا عن ضريبة الـTVA (ضريبة ما بعد البيع) والتي يتكلّفها الزبون فكلفتها 11% على الرف، وتدفع باللبناني وفق الكلفة الاصلية”.
وتابع “دعونا نراقب الوضع فور بدء تطبيق الوزير لقراره. وإذا لوحظت تجاوزات، على الوزارة ضبط الوضع. ودولرة الأسعار ليس حصراً بنا نحن تجّار المواد الغذائية، فالدولة اللبنانية تذهب باتجاه الدولرة، وتميّز القطاع العام عن الخاص في موضوع صيرفة. إذاً الدولرة انطلقت والحلّ ليس لدينا نحن التجّار”.
المستفيد الأكبر هو التاجر على حساب المستهلك
في المقابل، اعتبر رئيس جمعية المستهلك زهير برو، أنّ “قرار وزير الاقتصاد سيفتح المجال أمام دولرة الاقتصاد اللبناني كلّه. وهذا القرار يعود بالمنفعة على التجّار وليس المستهلكين، الذين سيقرّشون الدولار وفق مزاجهم لتأمين أرباحهم. سائلاً ما الذي يضمن للمستهلك أنّ التاجر لم يزد ربحاً إضافياً على السلعة المسعّرة بالدولار فوق ربحه الأصلي؟”، معتبراً أنّه “ليس هناك أيّ منفعة من قرار الوزير بل هو فقط نوع من تركيب الطرابيش! فاعتماد الدولرة يجب أن يأتي وفق خطّة إنقاذيّة إقتصاديّة شاملة”.
وأضاف برو، في حديث لـ”المدن”، أنّ “تخفيض الأسعار لا يكون بهذا الأسلوب، بل بالتحّول إلى اقتصاد منتج يدعم الزراعة والصناعة بدل دعم التجار”، محذّراً من مخاطر هذا القرار وانعكاساته حيث سيرفع من الطلب على الدولار أكثر فأكثر، ما سيزيد من انهيار سعر صرف الليرة”.
كما اعتبر برو أنّ “هذا القرر سيقضي على القدرة الشرائية للمستهلك، حيث أنّ فقط 5% من المواطنين اللبنانيين يتقاضون رواتبهم بالدولار، فيما القسم الآخر لا يزال يتقاضى راتبه باللبناني، فيما الحدّ الأدنى للأجور، وبسبب ارتفاع سعر صرف الدولار المستمر، أصبح 11 دولاراً! هذا حلّ عقيم سيزيد من التدهور”، سائلاً “على أي سعر صرف سيستند أصحاب السوبرماركت عند دفع الزبون الفاتورة المدولرة باللبناني؟”، وقال “نحن باقتصاد حرّ، فيما الواقع أننا في اقتصاد احتكار، سيسمح لكلّ تاجر بالتسعير وفق هواه. مع انعدام امكانية تثبيت الأسعار، طالما أننا لم نثبّت سعر الصرف، في ظلّ غياب دور وزارة الاقتصاد بحماية المستهلك والتأكّد من ضبط الأسعار وعدم تلاعب التجار فيها، بسبب النقص في العامل البشري”. ونبّه برو من أنّ “أصحاب السوبرماركت قد يغشّون المستهلك بأسعار صرف خياليّة تعلٌق على الباب “الدولار عندنا بـ50 ألفاً” مثلا، لجذبه إلى المتجر، فيما يكون صاحب المتجر قد رفع من سعر السلعة داخل متجره دولارين على الأقلّ فوق ربحه!”.
الأمن الغذائي للبنانيين مهدّد
بدورها، تشرح مصادر ماليّة، في حديثها لـ”المدن”، أنّ “الخوف هو من قيام التجار باحتساب ضريبتهم بالدولار، وتسديدها على الـ15 ألف ليرة. هذا الفرق سيتكبّده المواطن من جيبه. فالتاجر يستورد البضاعة من الخارج بالدولار الطازج، ويضيف إلى ثمنها: ربحه، والتكاليف التشغيلية من إيجار مستودع ونقل وأجرة عمّال وكهرباء وضرائب.. وهذه الأخيرة يدفعها التاجر بمعظمها بالليرة اللبنانيّة، إلا أنه يعود ويبيع السلعة بالدولار على الرفوف في السوبرماركت. وهذا الفارق بين الكلفة الحقيقيّة التي يتكبّدها التاجر وسعر المبيع ستحقق للتجار أرباحاً طائلة، يدفعها المستهلك”.
واعتبرت هذه المصادر أنّ “ما يحصل من سياسات الترقيع التي تقوم بها الوزارات المختصّة، هو تهديد مباشر للأمن الغذائي والاجتماعي للمواطنين اللبنانيين. فمعظم المواطنين لا يملكون دخلاً بالدولار. وإذا ما استمرّ سعر صرف الدولار في السوق السوداء بالارتفاع بشكله الجنوني، من دون ضوابط أو قيود أو سياسات لتثبيت سعر الصرف، فنحن نتخّوف من انفجار أمني”.
إقرار رسميّ من الدولة بالعجز
من جهته حذّر الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، في حديث لـ”المدن”، من أنّ “خطوة دولرة أسعار السلع الغذائية هي مخالفة للقانون، الذي ينصّ على ضرورة عرض أسعار السلع بوضوح وبالليرة اللبنانية، وأيّ حديث آخر أو اجتهادات بهذا الإطار هي غير صحيحة”.
واعتبر عجاقة أنّ “ما يحصل هو إقرار رسميّ من الدولة بعجزها عن السيطرة على الأسواق وضبط الأسعار”. سائلاً “إذا الدولة كانت عاجزة عن السيطرة على الأسعار باللبناني فكيف ستضبطها بالدولار؟”. ولفت إلى أن ّ “هذا القرار سيصبّ بمصلحة التجار في الدرجة الأولى. فاذا افترضنا أنّ سعر السلعة هو دولار والتاجر وضعها بدولار وسنت واحد، فهو بهذه الطريقة يربح 6500 ليرة بكلّ سنت بالإضافة إلى ربحه الأصلي”.
وشدّد عجاقة على أنّ “مهمّة الدولة هي الرقابة والتشريع والتنظيم. أمّا اليوم فالدولة عاجزة عن القيام بدورها بالرقابة، بحجة أنها تفسح المجال للمنافسة، ولكن المنافسة على ماذا؟ فهذه الأخيرة تكون عندما يكون عدد اللاعبين كبيراً وغير تابعين للشخص نفسه.
وفسّر “اليوم سعر السلعة المعلن يتضمن: ثمن السلعة والكلفة التشغيلية (من نقل، وحفظ، ويد عاملة، وإيجار المستودع، والكهرباء). وإذا الدولة لم تسيطر على هذه التكاليف بالليرة، فكيف ستسيطر عليها بالدولار؟”.
من جهّة أخرى يجب التنبّه إلى أنّ الدولار ليس العملة الرسميّة للدولة اللبنانية. وبالتالي، هو غير موجود بكمية كافية في الأسواق، ونحن بذلك نحرم الناس من الحصول على السلعة طالما أنّ دخلهم لا يزال بالليرة اللبنانية. والدولة بذلك تكرّس عرفاً جديداً خلافاً للقوانين”، مذكّراً بطرح سابق له في أيّار الـ2019 طالب فيه بمنع التبادل التجاري بعملة غير الليرة اللبنانية، “فما يحصل سيؤدي إلى انهيار إضافي بسعر الصرف، لأنّ المواطنين سيلجأون إلى شراء الدولارات أكثر وأكثر، ما سيفقد العملة الوطنية قيمتها أكثر فأكثر”.