22-نوفمبر-2024

نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً تحت عنوان: “حرب خبز عالمية… مخزون القمح ينفد ويهدد بمجاعة لن تسلم منها دول عربية”، وجاء فيه:

أمام العالم ثمانية أسابيع فقط قبل أن يصل إلى نقطة خطيرة وحاسمة غذائياً، إذ إنّ مخزونات القمح لا تكفي أكثر من هذه الفترة، بحسب تقارير متخصصة وُجّهت إلى مجلس الأمن.

في هذا الإطار، وصف وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو الأزمة بأنّ “حرب الخبز العالمية بدأت”، فقد تراجعت إمدادات السلعة الحيوية على ضوء الحرب الروسية في أوكرانيا، في الوقت الذي تتصاعد تحذيرات مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات التمويلية من مخاطر مجاعة جدية من شأنها أن تهدد الاستقرار السياسي في العالم أجمع.

ما إن بدأت أزمة إمدادات السلع الغذائية الأساسية تتشكل وتقفز أسعارها إلى مستويات هي الأعلى في عقود، في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية نهاية شباط الماضي، حتى هرولت دول كبرى منتجة للغذاء نحو غلق الباب على نفسها، باتخاذ إجراءات حمائية لأسواقها وشعوبها عبر حظر تصدير السلع الأساسية، بينما لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل دخلت بعض الدول في تكتلات للاتفاق على حصص تصدير بعض السلع وتحديد أسعارها.

في الضفة المقابلة، تواجه الدول المستوردة للغذاء مأزقاً غير مسبوق، إذ تختنق مسارات الحصول على الإمدادات يوماً تلو الآخر، ما دعا حكومات عدة، لاسيما في المنطقة العربية، إلى اتخاذ إجراءات داخلية ضد المزارعين والمنتجين، تصل إلى حدّ التهديد بمصادرة المحاصيل، ما ينذر بصدامات داخلية، فضلاً عن طرق أبواب الدائنين بشكل أكبر، فيما تتوقع مؤسسات دولية أن يزداد المشهد تعقداً، ليصل إلى حد إجبار بعض الدول على مقايضة ثرواتها بالغذاء، على غرار مصر، الأكثر عرضة للخطر في المنطقة، التي أشار تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية أخيراً، إلى أن صادراتها من الغاز بالتعاون مع إسرائيل ستعزز حصولها على دعم أميركي وغربي لتفادي الصدمات.

خنق إمدادات القمح

وتتسع مخاوف العالم من تداعيات خنق إمدادات القمح وغيره من السلع الغذائية الأساسية، بعدما انصبت الأنظار إلى الطاقة في أعقاب اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وحزم العقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو، إذ بات العالم مجبراً على الاستسلام لهرم الأولويات، فالغذاء أضحى أولاً وأخيراً في المعادلة.

ووفق وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام غربية قبل يومين، فإن “حرب الخبز العالمية بدأت بالفعل ويجب أن نوقفها”، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في أفريقيا، وانتشار المنظمات الإرهابية، والانقلابات، و”يمكن أن يكون سبب ذلك أزمة الحبوب التي نمر بها”. ولفت دي مايو، إلى أنّ هناك 30 مليون طن من الحبوب محاصرة في الموانئ الأوكرانية من قبل السفن الحربية الروسية.

ويتهم الاتحاد الأوروبي روسيا بمصادرة مخزونات الحبوب والآلات الأوكرانية، وقصف مستودعات الحبوب في جميع أنحاء البلاد، وهو ما تنفيه موسكو.

قبل الحرب كانت أوكرانيا واحدة من أكبر مصدّري الحبوب في العالم. كما تعد الأسمدة الزراعية وسلعها ضرورية للأمن الغذائي لمناطق عدة حول العالم، لاسيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فيما تلقي موسكو باللوم على الغرب في أزمة الغذاء والطاقة العالمية الناشئة.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحات أدلى بها إلى التلفزيون الرسمي وتناقلتها وكالة تاس الإخبارية الحكومية، يوم الجمعة الماضي، إنّ العقوبات الغربية المفروضة على روسيا لن تؤدي إلا إلى تردّي الأسواق العالمية، ما يقلل المحصول ويرفع الأسعار.

في الأثناء، أشارت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” إلى مواصلة أسعار القمح الارتفاع، فقد قال منسق الأمم المتحدة المكلف بالأزمة الأوكرانية أمين عوض، إنّ هناك حاجة إلى مزيد من المفاوضات لفتح ممرات التجارة عبر البحر الأسود.

ورأى أنّ “عدم فتح تلك الموانئ سيؤدي إلى مجاعة واضطرابات وهجرة جماعية حول العالم”، مشيراً إلى أنّ نقص القمح والحبوب الأخرى يمكن أن يؤثر على 1.4 مليار شخص.

وبينما استهدفت الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما ضرب الاقتصاد الروسي في العمق من خلال العقوبات الواسعة التي جرى فرضها، تنقلت موسكو بين سلاح اقتصادي إلى آخر لتجيد استخدام ورقة النفط والغاز في زعزعة الصف الأوروبي، ومن بعدها ورقة الغذاء عبر فرض رسوم كبيرة على صادراتها من القمح، لتستفيد بأكبر قدر من ارتفاع الأسعار عالمياً، وكذلك خنق ممرات تصدير القمح الأوكراني أيضاً.

الحرب تعمق أزمة الغذاء العالمية

ونهاية الأسبوع الماضي، ذكرت وكالة بلومبيرغ في تقرير لها أن الحرب لم تعمق أزمة الغذاء العالمية فقط، وإنما جعلت روسيا من بين أكبر المستفيدين من الفوضى التي أحدثها الصراع.

إذ واصلت روسيا شحن قمحها بالسعر المرتفع حالياً، ووجدت إقبالاً من المشترين، ما مكّنها من جني المزيد من الإيرادات لكلّ طن. تتوقع البلاد أيضاً وفرة محصول القمح في الموسم المقبل، ما يشير إلى أنّها ستستمر في جني الأرباح من هذه الظروف. بينما تفاقم الأحوال الجوية الحارة والجفاف الذي يلحق الضرر بمحاصيل القمح في أجزاء أخرى من العالم.

وقفزت أسعار القمح العالمية بأكثر من 50% هذا العام، وجمع الكرملين 1.9 مليار دولار من عائدات ضرائب تصدير القمح حتى الآن في هذا الموسم، وفقاً لتقديرات شركة الاستشارات الزراعية سوف إيكون.

وخلال كلمة له بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي انعقد في الفترة من 22 إلى 25 أيار الماضي في سويسرا، قال ديفيد بيزلي، رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إنّ “عدم فتح الموانئ هو إعلان حرب على الأمن الغذائي العالمي”، مضيفاً أنّ عدم الحصول على الطعام قد يدفع الملايين من الناس إلى الهجرة. وأوضح بيزلي أنّ 49 مليون شخص “على أعتاب المجاعة” في 43 دولة، وسيؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار كما الهجرة الجماعية.

تعتبر روسيا وأوكرانيا من المورّدين الرئيسيين للقمح وزيت عباد الشمس إلى العالم. وتعد الدولتان من بين البلدان القليلة في العالم التي تصدّر كميات كبيرة من الأغذية التي تزرعها إلى العديد من دول العالم. تُعد أوكرانيا أيضاً من بين أكبر ستة مصدّرين للذرة والدجاج والعسل.

نفوذ سياسي واقتصادي لروسيا

وقال مدير أبحاث المخاطر الناشئة في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني “كاثام هاوس”، تيم بينتون: “يصبح الغذاء من منظور روسيا قطاعاً تتمتع فيه بنفوذ سياسي واقتصادي. على مدى السنوات المقبلة أو نحو ذلك، لك أن تتصور روسيا وهي تقول إننا نزرع الكثير من الحبوب، وسنمنحك إياها إذا دعمتنا”.

وأبلغت سارة مينكر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة أغرو إنتيليجنس العالمية المتخصصة في الأمن الغذائي، مجلس الأمن الدولي، بأن العالم لديه مخزونات من القمح تكفيه فقط لمدة 10 أسابيع، بحسب قناة فوكس 10 الإخبارية الأميركية في 22 أيار الماضي، وهو ما يعني أنّ الأمن الغذائي في العالم بلغ مرحلة حرجة لم يشهدها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

ومع صدور هذه التحذيرات قبل أسبوعين، فإنّ فجوة الوقت تضيق، إذ تصل حالياً إلى 8 أسابيع، ما يجعل الكثير من دول العالم تقلق حيال المخاطر المحدقة. ورغم أن الكثير من الدول الأوروبية منتجة للقمح، لكنّ أزمة الغذاء ليست بعيدة عنها، إذ أن العديد منها يغطي احتياجاته بالكاد بالإنتاج ويلجأ إلى الاستيراد في بعض الأحيان.

وأنتجت بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة نحو 127 مليون طن من القمح في موسم عام 2020ـ2021، وفقاً لبيانات مؤسسة “ستاتيستا” العالمية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، لكنّها اشترت من الخارج 5.4 ملايين طن من القمح في ذلك الموسم. ودفعت الأجواء الحالية العديد من الحكومات الآسيوية إلى اتخاذ إجراءات حمائية، إذ قررت ماليزيا، قبل أيام، حظر تصدير الدجاج بدءاً من حزيران الجاري، إثر نقص المعروض.

ويعد هذا الحظر هو الأحدث في سلسلة من الإجراءات الحكومية التي تهدف إلى تخفيف الأسعار المحلية. وحظرت إندونيسيا مؤخراً صادرات زيت النخيل مؤقتاً، وقيّدت الهند صادرات القمح، وفرضت صربيا وكازاخستان نظام الحصص على شحنات الحبوب.

الدول التي يمكن أن تنجو من الأزمة

وتضم قائمة الدول التي يمكن أن تنجو من أزمة القمح بشكل خاص والغذاء بشكل عام نحو 15 دولة، وفق بيانات مؤسسة ستاتيستا، تأتي الصين في صدارتها؛ إذ تحظى بمخزون قمح يكفيها لعام كامل.

وأنتجت الصين خلال موسم 2020ـ2021 نحو 134 مليون طن من القمح، تليها الهند بـ108 ملايين طن، وروسيا 85 مليون طن، والولايات المتحدة 50 مليون طن، وكندا 35 مليون طن، وأستراليا 33 مليون طن، وباكستان 26 مليون طن، وأوكرانيا 25 مليون طن، وتركيا 18 مليون طن، والأرجنتين 18 مليون طن، وإيران 15 مليون طن، وكازاخستان 14 مليون طن، وبريطانيا 10 ملايين طن.

لكن، بالنظر إلى الدول المصدرة، يختلف الترتيب تماماً؛ إذ تستهلك العديد من الدول ما تنتجه ما يجعلها خارج قائمة المصدرين، الذين تأتي روسيا في صدارتهم، باستحواذها على نحو 17.6% من إجمالي صادرات القمح العالمية، تليها الولايات المتحدة بنسبة 14.1%، ثم كندا 14%، فرنسا 10.1%، أوكرانيا 8%، أستراليا 6%، الأرجنتين 4.7%، ألمانيا 4.7%، كازاخستان 2.5%، بولندا 2.3%.

في المقابل، تأتي مصر في صدارة الدول المستوردة للقمح عالمياً، إذ تتجاوز وارداتها 12.1 مليون طن، تليها إندونيسيا 10.4 ملايين طن، تركيا 8.1 ملايين طن، الجزائر 7.7 ملايين طن، بنغلاديش 7.2 ملايين طن، نيجيريا 6.6 ملايين طن، البرازيل 6.4 ملايين طن، الفيليبين 6.1 ملايين طن، اليابان 5.5 ملايين طن، المكسيك 4.7 ملايين طن.

وحذر ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، في تصريحات صحافية في 25 أيار الماضي، من أن الدول النامية هي الأكثر تضرراً بالنظر إلى النقص في الأسمدة ومخزونات الغذاء وإمدادات الطاقة.

كذلك، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متضررة بشدة بالتأثير المتواصل للأزمة الأوكرانية، نظرا لاعتماد دول شمال أفريقيا الشديد على واردات الغذاء، ما يجعلها عرضة لارتفاع أسعار المواد الغذائية”.

مصر تستورد نصف احتياجاتها

وأضاف: “تستورد المنطقة حوالي 42% من القمح و23% من الزيوت النباتية من روسيا وأوكرانيا. وتستورد مصر، ليبيا، لبنان، اليمن، تركيا، تونس، وأرمينيا ما لا يقل عن نصف احتياجاتها من القمح والزيوت من أوكرانيا وروسيا، بينما تعتمد العديد من دول المنطقة بشكل معتدل على الواردات من الزيوت النباتية من الدولتين”.

وتواجه دول عربية كثيرة، تعتمد على استيراد القمح الروسي والأوكراني، تحديا كبيرا لضمان إمداداتها، في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا والعقوبات الغربية الواسعة المفروضة على موسكو. ويرى مراقبون أن التداعيات تختلف حسب كل دولة، فعلى المدى القصير فإن أكثر الدول تضررا هي لبنان واليمن، أما على المدى المتوسط فهناك مخاوف من كارثة كبيرة خصوصا في مصر التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم.