29-نوفمبر-2024

عندما يُربّت شخص على كتفيك، فإن المستقبلات الموجودة على سطح خلايا الجلد تنقل هذه القوة الميكانيكية المطبقة عليها إلى داخل الخلية، ومن ثم إلى أجزاء مختلفة من الجهاز العصبي، مما يؤدي للإحساس باللمس.

وعلى الرغم من تطوير التقنيات التي ترصد تأثير القوى الميكانيكية على مكونات الخلية المختلفة، فإنها ما زالت محدودة الإنتاجية ومكلفة للغاية وتتطلب الكثير من الوقت والجهد.

قوى فيزيائية تولد إشارات حيوية
وتستشعر الخلايا مقدار هذه القوى الميكانيكية باستخدام بعض المستقبلات (تعرف باسم المستقبلات الميكانيكية) الموجودة على سطح الخلية، والتي تنقلها بدورها إلى داخل الخلية، وتحديدا إلى البروتينات الحركية والهيكلية، مما يؤدي إلى ترجمة هذه القوى الفيزيائية إلى إشارات كيميائية حيوية.

وتُنظِّم المستقبلات الميكانيكية عمليات بيولوجية رئيسية أخرى مثل انقباض الأوعية الدموية، والإحساس بالألم، والتنفس، وكذلك اكتشاف وتمييز الأذن للموجات الصوتية.

وهناك بعض التقنيات التي طورها العلماء لقياس مقدار هذه القوى داخل الخلية، ودراسة الكيفية التي تؤثر بها هذه القوى على العمليات البيولوجية. ويعد مِجْهَر القُوة الذَرية والمَلاقِط المغناطيسية والبصرية من بين هذه التقنيات.

وقد فاز مطورو النسخة الأولية -المعروفة باسم مجهر المسح النفقي- لمِجْهَر القُوة الذَرية بجائزة نوبل عام 1986، كما فاز مطورو الملاقط البصرية بجائزة نوبل عام 2018. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه التقنيات تتطلب الكثير من الوقت والجهد، ولا تستطيع رصد العديد من التغيرات في آن واحد.

روبوت طبيعي من الحمض النووي
لذا قرر العلماء استخدام تقنية تعرف باسم “أوريغامي الحمض النووي” (DNA origami) لبِنة لتصميم هذا الروبوت النانوي المكون من 3 هياكل بنيوية. وقد استطاع الروبوت المُصمم بفضل هذه التقنية التأثير على البروتينات والمستقبلات الخلوية بقدر معين من القوة الميكانيكية، ومن ثم مراقبة التغيرات التي تَطرأ عليها.

وتقنية “أوريغامي الحمض النووي” هي طريقة حديثة تستخدم الوحدات البنائية (الأزواج القاعدية) المُكوِنة للحمض النووي لتصميم آليات تستطيع العمل كروبوتات ذات مهام وبنية محددة. ولأن هذه الوحدات البنائية ذات شكل محدد، فإنه يمكن للعلماء برمجة التركيب الخاص بها لكي تُطوى وتتجمع بشكل ذاتي مكونة بنى نانوية ثلاثية الأبعاد تستطيع إنفاذ المهمة التي صممَت من أجلها. وتعد هذه التقنية من مجالات العلم الحديثة التي أسهمت في إحداث تطورات هائلة في مجال تكنولوجيا النانو خلال العقد الماضي فقط.

وقد أوضحت نتائج الباحثين أن حجم الروبوت النانومتري الذي تم تصميمه يتوافق تماما مع حجم الخلية البشرية. كما استطاع هذا الروبوت تطبيق قوى ميكانيكية، وكذلك التحكم في مقدارها بدقة وصلت إلى “بيكونيوتن” واحد (أي جزء من تريليون جزء من النيوتن، علما بأن النيوتن الواحد يكافئ القوة التي يضغط بها الإصبع على القلم).

تطبيقات هائلة
وطبقا للبيان الصحفي الذي نشره المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية تعقيبا على الدراسة، فإن هذا الروبوت النانوي سوف يُمَكِّن العلماء من دراسة القوى الميكانيكية عن كثب وذلك على المستوى المجهري، مما سيساعد على فهم العمليات الفيسيولوجية والمرضية المرتبطة بها.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي أمكن فيها تطوير روبوت يجمع نفسه ذاتيا -يعتمد على الحمض النووي ومُخلَّق بشريا- يستطيع تطبيق هذا القدر الضئيل من القوة الميكانيكية وبهذه الدقة على بروتينات الخلية.

وبالطبع فإن مثل هذا الروبوت سيساعد على توسيع معرفتنا الخاصة بالمسارات الخلوية التي تتأثر بالقوى الميكانيكية. فعلى سبيل المثال، يرتبط الخلل في العمليات الميكانيكية الخلوية بالعديد من الأمراض مثل السرطان. إذ تنتقل خلايا السرطان إلى مكان آخر بعد استطلاعها الخصائص الميكانيكية للبيئة المحيطة بها. ومن ثم فإن فهم الطبيعة الميكانيكية لبيئة السرطان المحيطة باستخدام هذا النوع من الروبوتات قد يكون مفيدا في سبر أحد أهم آليات مرض السرطان المتمثلة في انتقاله من مكان لآخر.

وفي الواقع، تعدّ هذه الأداة نافعة للغاية. إذ يمكن استخدامها لفهم الآليات الخلوية الجزيئية التي تشارك في الاستجابة للقوى الميكانيكية، مما سيساعد على اكتشاف مستقبلات خلوية جديدة يمكنها استشعار القوى الميكانيكية. كما سيتيح هذا الروبوت دراسة المسارات الخلوية -بشكل أكثر دقة- في الوقت نفسه الذي تتأثر فيه تلك المسارات بالقوى الميكانيكية.”الجزيرة”