كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
الطرق كلها تبدو، الى الآن في احسن الاحوال، شبه مقفلة في وجه التمديد لقائد الجيش في منصبه سنة اضافية. التوافق غير المبرم بين الافرقاء على تولي كل منهم إعطاب ما يريده الطرف الآخر والحؤول دونه، يوازيه الاسوأ وهو ان احداً لا يعرف ماذا ينتظر اليوم التالي؟
توشك الابواب ان تمسي موصدة بازاء الحلول المقترحة لما ينتظر الساعات الاولى من 10 كانون الثاني 2024 مع احالة قائد الجيش العماد جوزف عون الى التقاعد. يشترك الافرقاء، كلٌ على طريقته، في تبادل سدّ المسارب المؤدية الى اي مخرج طبيعي او مفتعل لتفادي شغور منصب القيادة. يشتركون كذلك في تعذّر التقائهم، على الطريقة اللبنانية، على مفهوم جوهري واحد لمسألة الحتمية: مَن يُستغنى عنه ومَن لا يُستغنى عنه. الواقع ان في المقابر مَن لا يُستغنى عنهم اكثر ممَن في الحياة يُستغنى عنهم.
تقيم السدود المرفوعة في بت مصير قيادة الجيش في المعطيات الآتية:
1 – لا تمديد للقائد الحالي سواء باقتراح قانون او بمشروع قانون في مجلس النواب. قبل اكثر من اسبوعين رغب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في احالة مشروع قانون الى البرلمان يمدد سنّ تقاعد الضباط الكبار في رتبتيْ عماد ولواء سنة اضافية، يشمل – ناهيك بعون – الالوية قادة الاسلاك العسكرية والامنية الاخرى ما دام ليس سوى عماد واحد بغية تبديد حصر الامتياز بفرد. سرعان ما اخفق المسعى. بدورها كتلة حزب القوات اللبنانية ولجت الى الموضوع في 31 تشرين الاول من باب اقتراح قانون معجل مكرر يقصر تمديد سنّ التقاعد على قائد الجيش، فأغلق رئيس المجلس نبيه برّي الباب بإحكام. اعطب اقتراح القانون نفسه بنفسه: ان يصدر اولاً عن كتلة نيابية تجهر بمقاطعتها جلسات مجلس النواب ثم تلجأ اليه ببند وحيد، وان يشاع ثانياً عن حق او عن باطل ان السفيرة الاميركية دوروثي شاي اوعزت بوضعه ثم تكلمت مع عدد من النواب المستقلين – لئلا يقال تغييريين – حضتهم على تأييد الاقتراح والمشاركة في جلسة التصويت عليه. الصائب والمنطقي ان يكون رئيس الحزب سمير جعجع في قرارة نفسه متيقناً من عبثية الاقتراح وعدم جدواه كي «يمنّن» السفيرة بالاقدام على ما لا يسعه الوصول الى نهاياته. فكيف بصيغة متهورة باطنية استفزازية؟
2 – من الصعوبة بمكان امرار التمديد اياً تكن اجتهادات الصيغ المتداولة في السرايا عن ان المرجعية صاحبة الاختصاص الدستوري في التعيين تملك بالضرورة الاختصاص نفسه في تمديده. مع انه اجتهاد غير مسبوق ويتعارض مع ما ينيطه القانون بوزير الدفاع المنصوص عليه في قانون الدفاع، الا ان المشكلة الناشئة ليست في امرار ذلك الاجتهاد او صوابه، بل في توفير النصاب القانوني الموصوف في مجلس الوزراء من اجل التصويت على بقاء عون على رأس قيادة الجيش. وزراء التيار الوطني الحر المقاطعون في الاصل انضم اليهم وزيرا تيار المردة بعدما افصح رئيسه سليمان فرنجية عن رفضه التمديد، اضف وزيراً ثالثاً حليفاً لهما هو جورج بوشكيان.
3 – لحزب الله موقف قاطع في مرحلة استعادة التحالف مع التيار الوطني الحر، مؤداه رفضه الخوض في تعيينات المراكز المسيحية الرئيسية بلا التفاهم والتنسيق المسبق مع رئيس التيار النائب جبران باسيل الرافض بقاء قائد الجيش في منصبه. اخيراً اصبح حزب الله معنياً ايضاً بمجاراة حليفه الآخر ومرشحه لرئاسة الجمهورية الزعيم الزغرتاوي الذي جهر بمعارضته التمديد.
4 – ليس خافياً ان رئيس حكومة تصريف الاعمال اكثر المتحمسين للتمديد لقائد الجيش ما حمله على عرقلة اي خيار بديل، بما في ذلك تعيين قائد جديد كان يجري الاعداد له من ضمن صفقة متكاملة. وفق ما يُنقل عن ميقاتي يروي امام وزراء دوافع اشتباكه مع وزير الدفاع موريس سليم في 25 تشرين الاول، وهو اليوم الذي التقى فيه باسيل وفرنجية على رفض التمديد: لأسبوع خلا على ذلك التاريخ اجتمع بوزير الدفاع وسأله عما يعتزم القيام به لتفادي الشغور في قيادة الجيش مع اظهار ميله الى التمديد لعون. رد انه وفريقه في صدد التفكير في صفقة شاملة للمجلس العسكري بتعيين قائد جديد ورئيس جديد للاركان الى العضوين الشيعي والارثوذكسي. وطلب مهلة عشرة ايام لبلورة مشروع التفاهم هذا. طلب ميقاتي ان يُحاط علماً بإسم القائد المقترح قبل ان يصير الى الخوض في الصفقة. في ما قاله للوزراء وهو يسرد هذه الوقائع انه توخى بالكتاب الذي ارسله الى سليم تسهيل مهمته. واقع الامر ان الاحالتين المرفقتين بالكتاب الى وزير العدل بصفته وزيراً للدفاع بالوكالة وهو في فريق التيار الوطني الحر كسليم، والى قائد الجيش، كافيتان لنسف الصفقة برمتها والعودة الى النقطة الصفر عند الجميع. لا سلة المجلس العسكري، ولا التمديد للقائد.
5 – ابلغ النائب السابق وليد جنبلاط مَن يعنيهم الامر انه لن يوافق على تعيين رئيس للاركان ما لم يسبقه تعيين قائد جديد للجيش. يطابق جنبلاط موقفه هذا الطريقة التي يقارب بها سائر الملفات الداخلية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية. التسوية عنده مصدر الحلول كلها بمشاركة الافرقاء المعنيين جميعاً. يعرف ايضاً ان من الصعوبة بمكان تعيين رئيس للاركان في معزل عن اي تسوية او على نحو منفصل بدعوى تفادي شغور القيادة.
6 – الاستعداد المعلن لباسيل للموافقة على تفاهم يشمل تعيين المناصب الاربعة الشاغرة في المجلس العسكري، يضاهيه الشرط الاكثر تعقيداً والاكثر استجلاباً لاستفزاز ميقاتي هو اقتران التفاهم على سلة التعيينات بتوقيع الوزراء الـ24 جميعاً مراسيم السلة. سبق ان فوتح ميقاتي اكثر من مرة بعرض كهذا ثمن استعادته وحدة حكومته لا يُستشم منه سوى الطعن بكل ما كان صدر عنها منذ الشغور الرئاسي من مراسيم لم تقترن بتواقيع الوزراء الـ24.