23-نوفمبر-2024

ماذا يعني استمرار اتّخاذ وتيرة المناوشات القائمة حاليّاً على الحدود اللبنانية الجنوبية مع الجيش الإسرائيليّ “منحى محدّداً” يرتفع أو ينحسر بين هنيهة وأُخرى لكنّه لا يتحوّل إلى “تفجّر حربيّ” مع الالتزام بقواعد اشتباك واضحة منذ اندلاع المعارك العسكرية في قطاع غزّة؟ وأيّ ترجيحات في ما يخصّ المرحلة المقبلة ومدى إمكان الإبقاء على السقف الحالي للمواجهات أو توسّعها على نطاق الجنوب اللبناني خلال الأسابيع اللاحقة؟ وإذ تُشكِّل هذه التساؤلات محور اهتمامات الداخل اللبناني، كيف يقرأ خبراء عسكريّون الأوضاع العامّة ومؤشّر التطوّرات اللاحقة؟

يَعْتَبِر رئيس الأركان في الجيش اللبناني سابقاً اللواء المتقاعد وليد سلمان إنّ “ما استجدّ في قطاع غزّة كان مفاجئاً للجميع بالنسبة إلى حجمه وتوقيته وتداعياته العسكرية والسياسية التي أدّت إلى إرباك على المستوى الاسرائيلي وكان من الطبيعي إزاء وضع مماثل دخلت فيه حركة “حماس” المعارك المندلعة أن يعتبر “حزب الله” نفسه معنياً لأنه لا يستطيع أن يكون متفرّجاً وإن كان التصعيد متقطعاً بين فترة وأخرى لكن الملاحظ حتى اللحظة أنّ هناك التزاماً في قواعد الاشتباك في غياب توسيع رقعة المواجهات مع الإشارة إلى تكبّد “حزب الله” للخسائر البشرية”.

ويقول سلمان في حديث لـ”النهار العربي” إن “الاحتمالات جميعها قائمة ولا يمكن التكهّن مسبقاً أو ترجيح مجريات الأوضاع أو معرفة إذا كانت المناوشات ستتوسّع أو تستمرّ على إيقاعها الحالي علماً أنّ انعكاساتها إذا تفاقمت قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية. إن رفض الالتزام بوقف إطلاق النار والانحياز الإسرائيلي ستتراجع وتيرته لاحقاً ما يشكّل حالة شعبية ضاغطة مؤثّرة وسط المطالبات المستمرّة بوقف الحرب والانتقال إلى حلّ سياسيّ منشود للقضية الفلسطينية وعلى رأسها حلّ الدولتين”.

وفي رأي سلمان، “إذا كان لا يمكن التوقّع إذا كانت الحرب ستتمدّد إلا أنّ جميع الاحتمالات مفتوحة على السيِّئ وسط استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين. ويتصاعد الضغط الدولي للمطالبة بحلّ سلميّ وإن طال وقت الوصول إليه وسط ضبط للإيقاع من الدول الكبرى، في وقت تتحدّث إيران في السياسة ولكن لا نيّة لديها للتورّط في الحرب”.

انطلاقاً من قراءة الخبير العسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب، إنّ “الإيقاع الذي يشهده الجنوب اللبناني حتى الآن لا يزال ضمن قواعد اشتباك، مع الاشارة إلى أن جبهة “حزب الله” النارية طويلة وتبلغ 105 كليومتر من رأس الناقورة حتى شبعة. ولا شكّ أنه أظهر عن جهوزية على هذا المستوى إلا أن الأوضاع لم تتجاوز المسائل المعهودة اليومية على مدى الأسبوعين الماضيين. لكن، التطورات شهدت في المقابل رسائل إيرانية من محور “الممانعة” في سوريا والعراق بعد استهداف قواعد أميركية وسط قصف بالطيران المسيّر ما استدعى تكثيف الدفاعات الجوية الأميركية.

ويقول ملاعب لـ”النهار العربي” إنّ “هناك تكثيفاً لعمل “الباتريوت” التي تتعامل مع الصواريخ المتوسطة المدى اضافة إلى تفعيل أميركي لمنظومة صواريخ “ثاد” في المنطقة وتحضير تجهيزاتها للتعامل مع مستويات عالية تشمل الصواريخ الاستراتيجية. ويُشكّل ذلك بمثابة تصعيد بموازاة أيّ قرار إيرانيّ في الردّ على أي هجوم. وإذ تحوز إيران قدرات عسكرية وصواريخ تصل إلى 2200 كلم، هناك استكمال للدفاع الأميركي في المنطقة ضدّ أي خطر. وثمة تساؤلات تُطرح حول إذا كان هناك انكفاء إيراني لأنّ مندوب إيران في الأمم المتحدة كان واضحاً بعدم دخول المعركة إلا إذا تهدّدت إيران أو مصالحها”.

يضيف ملاعب، “إذا كانت قوّة الردّ الأميركي بمستوى دفاع جويّ قوي على كافة المستويات وحضور كثيف للطيران الحربي في مقابل إيران مباشرةً إضافة إلى حاملتَيْ طائرات فذلك يمكن أن يمنع التدخل الإيراني. وكان هذا الحضور الأميركي ليمنع أي تدخل في المحيط ثم توسّعت الدائرة اليوم ويمكن أن تطال أي تدخل إيراني؛ لذلك هل ترتدع إيران عن أي تدخّل؟ وهل يُمكِّن القرار السلبي الإيراني في عدم تدخّل إسرائيل من فتح المعركة على الجبهة الشمالية؟ يصعب الإجابة على سؤال مماثل لكن تبدو العودة الأميركية إلى المنطقة ليست فقط لحماية إسرائيل، بل لتقرير مصير المنطقة ويمكن أن يحصل وضع حدّ للنفوذ الإيراني فيها بعد عزل قدرات إيران العسكرية”.