03-ديسمبر-2024

كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:

خطا تكليف الأجهزة الأمنية مكافحة العمالة غير الشرعية بقاعاً، خطوات عملية نحو إقفال المؤسسات التي يشغلها مواطنون سوريون، بطرق غير شرعية. إذ ذكرت مصادر قضائية لـ»نداء الوطن» أنّ نحو مئة مؤسسة أقفلت نهائياً وشُمّعت بالأحمر في أكثر من منطقة بقاعية خلال الأسبوعين الماضيين، ولا سيما في زحلة، وسعدنايل، وبعلبك، والعين، وبرّ الياس، حيث العدد الأكبر لهذه المؤسسات. وذلك بالتزامن مع توقيف عدد من أرباب العمل السوريين الذين ليس لديهم إقامات شرعية أو إجازات عمل فئة أولى تتيح لهم فتح المؤسسات وتشغيلها.

جاءت هذه الحملة تنفيذاً لإستنابات قضائية أصدرتها النيابة العامة الإستئنافية في البقاع على أثر الإجتماع الأخير لمجلس الأمن الفرعي في البقاع، وكلّفت بموجبها الأجهزة الأمنية تعقّب «العمالة غير الشرعية» في محافظتيْ البقاع وبعلبك، بعدما تبيّن أنّ هناك عدداً كبيراً من المؤسسات التي يشغلها مواطنون سوريون بطريقة غير شرعية في منطقتي البقاع، بلغ نقلاً عن محافظ البقاع كمال أبو جوده في قضاءَي زحلة والبقاع الغربي وحدهما، نحو أربعة آلاف مؤسسة.

وكانت النيابة العامة الإستئنافية في البقاع قد كلّفت عبر استناباتها القضائية، كلاً من جهاز قوى الأمن، أمن الدولة والأمن العام، بالإيعاز لمن يلزم، كي يباشروا بإجراء كشف على المؤسسات والمحلات التجارية للتأكد من تطبيقها القوانين اللبنانية في ما يتعلق بالمالكين والمشغلّين والعمّال، على أن يشمل هذا الكشف النشاطات الزراعية أيضاً، للتأكد من استيفاء العاملين فيها بشروط العمالة على الأراضي اللبنانية.

وبحسب مصدر قضائي، فإنّ التوقيفات مستمرّة بالنسبة للسوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية من دون أوراق ثبوتية، أو بطرق غير شرعية، موضحاً أنّ «توقيف كل الذين لا يملكون إقامة شرعية على الأراضي اللبنانية، قد يتطلّب تحويل نصف سهل البقاع الى سجن»، وأكد «أنّ معظم النظارات باتت ممتلئة بالموقوفين، وأغلبهم من السوريين، وكذلك السجون ولا سيما سجن زحلة للرجال». وقال «إذا كان وزير الداخلية قد ذكر بأنّ 35 بالمئة من الموقوفين في سجون لبنان هم من السوريين، فإن هذه النسبة في البقاع تتخطى الـ50 بالمئة»، لافتاً إلى أنّ «معظم الملفات التي يعالجها القضاء حالياً يتبين تورّط مواطنين سوريين فيها، وبالتالي جزء كبير من جهد القضاء يستنزف في القضايا المرتبطة بهم».

وكان محافظ البقاع صرّح لـ»نداء الوطن» بأنّ الإجراءات تأتي إنفاذاً للقرار الصادر عن وزير العمل مصطفى بيرم منذ سنة 2021. وبالعودة الى هذا القرار، يتبيّن أنه يمنع العمالة الأجنبية في أي مهنة يتوفر عمّال لبنانيون لإشغالها، ولكنّه حدّد بشكل خاص 12 فئة من الوظائف، التي يتبين من خلال قراءة أولية بأنّ معظمها تسلّلت إليها القوى العاملة السورية، باستثناء الأعمال المرتبطة بالإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات، علماً أنّ القرار لم يحدّد ما إذا كان ذلك يشمل أيضاً عمال النظافة.

وتؤكّد نظرة سريعة للواقع بأنّ المضاربة الأجنبية موجودة حتى في المهن المنظّمة بالقانون ويحصر الحق بممارستها للمنتسبين إلى النقابات المهنية. وقد ساهم اشتراط بعض المنظمات المانحة كوتا معينة من العمال السوريين في بعض المهن، بتسلّل اليد العاملة إلى المشاريع العامة المنفّذة، كمثل مدّ شبكات المجارير والمياه وتركيب تجهيزات الطاقة النظيفة وسواها.

مزاحمة على المهن

وبات السوريون يزاولون على الأراضي اللبنانية أيضاً الأعمال التجارية، الأعمال المتصلة بالمهن السياحية بكافة أنواعها، وتلك المتصلة بالقطاع الصحّي، والمهن التربوية في التعليم ما قبل الجامعي والمهني والتقني، أو ذات صلة بالإعلام والإعلان، بالإضافة الى انخراطهم حتى بالقطاع المالي، المحاسبي وقطاع التأمين، وهي كلّها مهن منع قرار وزير العمل ممارستها لغير اللبنانيين منذ سنة 2021 من دون أن يبدّل شيئاً في الواقع.

هذا بالإضافة الى الدور السائد للعمالة السورية في قطاع البناء والأشغال، المهن الحرفية غير المنظّمة بقانون، كصناعة المجوهرات وبيعها، كوي وغسيل الملابس، صالونات الحلاقة، أعمال الطباعة، الصيد البحري، محطات المحروقات، بيع والإتجار بالخضروات، التصوير الفوتوغرافي، صناعة المفروشات، صيانة وتصليح وتشغيل وبرمجة وتمديد شبكة الإنترنت، وغيرها من المهن الخدماتية كالحاجب والحارس، عمّال التوصيلات، الباعة في المحلات والأفران، والتي قد يؤدّي تنفيذ قرار وزير العمل في منع اليد العاملة الأجنبية فيها، الى خلل في تأمين العمالة اللبنانية الكافية لها.

وبحسب مصادر أمنية، فإنّ العقبة الأولى التي تعترض خصوصاً منع النشاط التجاري للمقيمين السوريين، هي في احتماء هؤلاء بشركاء لبنانيين صوَريين، يقتصر دورهم على تأمين الغطاء القانوني لمؤسسات إستحدثها هؤلاء وأمّنوا رساميلها.

وتلفت المصادر في المقابل إلى أنّ العمال السوريين ليسوا وحدهم من يلامون على عدم حمل الكثيرين منهم إجازات عمل شرعية، لأنّ الكثير من أرباب العمل اللبنانيين إستسهلوا الإستعانة باليد العاملة مباشرة من بين النازحين، حتى لو أتت النتائج الأولية للحملة الأمنية والقضائية في البقاع تهافتاً على قوننة أوضاع الكثيرين منهم، علماً أنّ حملة مكافحة العمالة غير الشرعية في البقاع خلقت رادعاً بالنسبة للكثير من المؤسسات، وجعلتها على الأقل غير مرتاحة في الإستمرار بتشغيل هؤلاء من دون إجازات عمل، وعملت على صرفهم ولو مرحلياً أو إبقاء عمالتهم خفية، بانتظار مدى جدّية السلطات المعنية بالمضي في تطبيق القرارات المتخذة، سواء على المستوى السياسي العام، أو حتى على مستوى قرارات السلطة المحلية.

وهذا ما يجعل العبرة في استمرارية الحملة ومتابعتها في رصد هذه العمالة غير الشرعية، خصوصاً أنّ أي تراخ جديد فيها سيتحوّل وفقاً لقراءة التجارب، أمراً واقعاً أكثر تفاقماً من الواقع الحالي. فالحملة التي تنفّذها الأجهزة الأمنية بالنسبة للمؤسسات التي تعتمد العمالة غير الشرعية ليست الأولى منذ بداية النزوح السوري، فقد سبقتها حملات عدّة لم يكتب لها الإستمرار، كان أبرزها في العام 2013، حين إنطلقت الأجهزة الأمنية بزخم في إقفال مؤسسات غير لبنانية، ثم ما لبث أن أدّى تراجع هذا الزخم لتغيير الوجه التجاري لكثير من البلدات ومن بينها برّ الياس، التي تحوّلت محلاتها التجارية سوقاً شعبياً مركزياً لكل البقاع يشغله سوريون بالدرجة الأولى.

بينما أظهرت التجربة بأنّ التشدّد في تطبيق القرارات والإستدامة فيها يفرض على السوريين الإلتزام بها، وهذا ما حصل في البقاع تحديداً عندما سبقت سلطتها المحلية، المتمثلة بمحافظة البقاع، السلطة المركزية، بإتخاذها قرار منع إقامة أي خيمة جديدة في البقاع، ومنع التوسع بالمخيمات القائمة، وهدم كل خيمة تخلو من أصحابها وعدم السماح بإشغالها من نازحين جدد. فاستقرّ عدد النازحين على العائلات التي قصدت المنطقة منذ البداية، ولم يتفاقم، وذلك خلافاً للمؤسسات والعمالة غير الشرعية على الأراضي اللبنانية، والتي لم يكتب لأي من حملاتها الإستمرارية، ما كان سبباً رئيسياً في تفشّي الفوضى وتسلّلها الى كافة الأعمال.