22-نوفمبر-2024

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

قبل أن يغادر الموفدُ الفرنسي جان – إيف لودريان بيروت اليوم مختتماً الجولة الثالثة من مَهمةٍ بدا معها وكأنه “يدور في مكانه”، ارتسمتْ في كواليس الأزمة اللبنانية مؤشراتٌ إلى “مسرح” ثانٍ ديبلوماسي ستَجْري عليه في الأسابيع القليلة المقبلة محاولاتُ دفْع المركب الرئاسي مستفيدةً من ضغط عربي ودولي ومن اعتبارين، محلي على مقياس الانهيار المالي الذي لم يعد يحتمل مزيداً من “الحفر” ويقترب من بوابة “الثقب الأسود، وإقليمي مضبوط على إيقاعِ تعزيز تبريد العلاقات بين الرياض وطهران ما يمكن أن يشكّل مناخاً مؤاتياً لتراجعاتٍ في الواقع اللبناني على قاعدة “لا مُنْكَسِر ولا مُنْتَصِر” على ضفتي الصراع الرئاسي.

وفيما كان لودريان يستكمل لقاءاته أمس وكان الأبرز في سياقها الاجتماعُ الذي عُقد في دارة السفير السعودي وليد بخاري وضمّه إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان و 21 نائباً سنياً (من أصل 27) بعدما كان زار صباحاً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، علمت “الراي” أن ما بعد مغادرة الموفد الفرنسي الذي أُقفلت أبوابٌ وازنة في الداخل أمام مبادرته الحوارية سواء بنسختها الفرنسية أو “المقتبسة” من رئيس البرلمان نبيه بري، سيكون محكوماً بتحرّكٍ خارجي جديد يتمحور حول قطر وبتفويضٍ من شركاء لها في “مجموعة الخمس” حول لبنان (تضم أيضاً السعودية والولايات المتحدة وفرنسا ومصر).

وأبلغت مصادر مطلعة إلى “الراي” أن ثمة حرصاً برز على إدارة انتقال الملف الرئاسي إلى “مرحلته القَطَرية” في شكلٍ لا يَظْهَر على أنه على أنقاض الدور الفرنسي الذي جرتْ مداراته من أطراف مجموعة الخمس الآخَرين بحيث لا يُعلَن فشله، مشيرةً إلى أن الدوحة ستتحرّك في الفترة المقبلة بغطاءٍ خليجي في لبنان انطلاقاً من قدرتها على التأثير المتعدد الطرف محلياً ومن صلاتها التي لم تنقطع مع جهات إقليمية فاعلة ولا سيما إيران، وذلك انطلاقاً مما عبّر عنه لودريان في لقاءاته في بيروت من أنه للخروج من الأزمة ثمة حاجة للتفكير “خارج العلبة” أي باسم ثالث (غير سليمان فرنجية وجهاد أزعور).

وبحسب هذه المصادر، فإنه حتى في “مجموعة الخمس” لا بدّ أن يكون تبلور اقتناعٌ بأنه لا يمكن بلوغ مخرج من دون أن تشعر إيران بأنها لم تخسر في الملف الرئاسي، معتبرة أنه وعلى طريقة “الزائد واحد” من دون إعلان، فإن التحرك القطري المرتقب من شأنه أن يوفّر التقاطع المطلوب على أفق جديد وفرصة جديدة.

وإذ لا تجزم المصادر نفسها بأن الحِراك القطري مضمون النتائج أو أن عناصره ستكتمل بالضرورة، إلا أنها رأت أن ثمة عاملين قد يساعدان في هذا الإطار:

– أوّلهما دينامية الانهيار المالي في لبنان التي لم تعُد تحتمل إضاعة وقت، واقتناعٌ عام بأن “ما نحن في صدده في هذه المرحلة هو انتخاب رئيس وليس بحث موضوع سلاح حزب الله”. وكان لافتاً أمس تأكيد السفيرة الأميركية دوروثي شيا بعد زيارتها البطريرك الراعي أن بلادها “لن تألو أي جهد من أجل دعم لبنان والمساهمة بالإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية لأن استمرار الوضع على ما هو سيزيد الأمور تعقيداً وخطورة على جميع المستويات”.

– وثانيهما التوقيت الإقليمي الذي تبدو فيه الخطوط السعودية – الإيرانية سالكة أكثر، وسط توقف المصادر عند أن وفداً من الحوثيين اتجه أمس إلى السعودية برفقة وفدٍ عُماني لمحاولة التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار، وكذلك عند الرسالتين اللتين وجّههما الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لكلّ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتتصلان بالعلاقات الثنائية، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات.

ووفق المصادر عيْنها فإن ثمة أسابيع قليلة كي يتضح مسار ومصير التحرك القطري المرتقب، كاشفة أن هذه المحاولة ستتمحور حول اسم قائد الجيش العماد جوزف عون في شكل أساسي، وهو ما كانت أشّرت إليه زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لعون قبل أسابيع قليلة ولقائه “بثياب مدنية”، فإذا اكتملت عناصر هذه المحاولة يكون الحلّ وُجد وإلا بحثٌ في خيارٍ آخَر.

وإذ كشفت أوساط سياسية لـ “الراي” أن لودريان في لقاءاته مع المعارضة بدا مربكاً ويبحث عن حلّ لكسْر الحلقة المفرغة في ظل رفْض غالبية المعارضة الحوار قبل انتخاب رئيس وإصرار قوى “الممانعة” على الحوار ثم الانتخاب، لم تستبعد أن يكون هذا الإصرار (من الممانعة) في إطار استشعار “حزب الله” وحلفائه بالصعوبات الداخلية التي تحول دون إمرار خيار فرنجية والتعقيدات الخارجية في طريقه وبالحاجة إلى “سحْب الأظافر” عن الطاولة ملاقاةً للمناخ الإقليمي الجديد بحيث تكون طاولةُ الحوار أو التشاور أو النقاش المخَرج الشكلي لحفْظ ماء الوجه مقابل التراجع خطوة في المضمون ومساحةً مماثلة لتراجُعٍ من خصوم الحزب في الشكل أيضاً.

وفي حين تتجه الأنظار إلى لقاء “مجموعة الخمس” حول لبنان على هامش اجتماعات نيويورك الثلاثاء المقبل، برز أمس استقبال السفير السعودي لدى لبنان سفير قطر الجديد الشيخ سعود بن عبدالرحمن آل ثاني.

وفي بداية اللقاء رحّب بخاري بنظيره القطري متمنياً له التوفيق والنجاح في مهمته الجديدة “كما جرى استعراض العلاقات الثنائية الاخوية بين البلدين الشقيقين وآخِر تطورات الأوضاع على الساحة اللبنانية لا سيما الملف الرئاسي وضرورة إنجازه ليعود لبنان بلداً فاعلاً في محيطه العربي والإقليمي إضافة إلى بحث عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

وبعد ساعات قليلة من اللقاء السعودي – القطري، انعقد في دارة السفير بخاري الاجتماع البارز الذي ضم السفير السعودي ولودريان اللذين عقدا خلوة لبعض الوقت قبل المشاركة في اللقاء الموسع الذي حضره مفتي الجمهورية و21 نائباً سنياً، ولم يكن ممكناً التعاطي معه خارج أنه رسالة مؤازرة من المملكة للمساعي الفرنسية الرامية إلى اجتراحِ مخارج للمأزق الرئاسي.