22-نوفمبر-2024

كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:

يعيش قصر العدل في بيروت ومعه اللبنانيون مرحلة حبس أنفاس وترقّب، بانتظار يوم الاثنين المقبل، موعد استئناف المحقق العدلي بجريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، تحقيقاته، حيث ينتظر عقد جلسة مخصصة لاستجواب وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، ووزير الأشغال الأسبق النائب الحالي غازي زعيتر، وفي ظلّ المخاطر التي تحيط بهذه الجلسة، والمعلومات التي تتحدث عن سيناريوهات متعددة لوقف اندفاعة البيطار، والتي تبدأ بمنعه من دخول قصر العدل، وسحب المساعدين القضائيين الموضوعين بتصرّفه لتدوين محاضر التحقيق، وصولاً إلى التلويح بتنفيذ مذكرة اعتقال قد يُصدرها بحقه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الرافض لكل إجراءات البيطار.

وتمهيداً لجلسة الاثنين، حضر البيطار إلى مكتبه أمس لمدة ثلاث ساعات، وتضاربت المعلومات حول اجتماعه مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود. ورغم نفيهما ذلك، رجّحت مصادر في قصر العدل حصول اللقاء ووضعته في سياق «محاولات تبريد الأجواء التي يعمل عليها القاضي عبّود للوصول إلى حلّ قانوني قبل الاثنين المقبل». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن الساعات المقبلة ستشهد اتصالات ولقاءات مكثفة يتولاها عبود، محورها وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي طارق البيطار. وأكدت أن عبّود «وضع أعضاء مجلس القضاء الأعلى في أجواء هذه الاتصالات وتمنّى عليهم عدم الإصرار على عقد جلسة للمجلس بانتظار معرفة نتائج المشاورات». وفي رأي المصادر نفسها فإن «الحلّ لن يُبصر النور إلّا بتجميد البيطار إجراءاته وإلغاء جلسات التحقيق المحددة طيلة شهر شباط الحالي، والتراجع عن الادعاءات (غير القانونية) ما دامت دعاوى ردّه ما زالت قائمة ولم تبتّ بها المحاكم المختصّة، مقابل تراجع عويدات عن ادعائه على البيطار ومنعه من السفر، والنظر في كيفية وقف مفاعيل إطلاق سراح الموقوفين بملفّ المرفأ».
وبانتظار جلاء الصورة، لا يزال كلّ فريق عند موقفه، وعلمت «الشرق الأوسط»، أن «جلسات الاستجواب يوم الاثنين المقبل لا تزال قائمة، كما أن قرارات عويدات ما زالت سارية المفعول». ولا تستبعد المعلومات فرضية أن «يُصدر عويدات مذكرة إحضار بحق المحقق العدلي إذا استأنف عمله وذهب إلى إصدار مذكرات توقيف غيابية بحق الأشخاص الذين استدعاهم للتحقيق، لأن ثمة استحالة لمثولهم أمامه». وتشير إلى أن «الوضع القضائي في أزمة كبيرة ومتدحرجة، وفي حال لم تسبق التسوية جلسات الاثنين سيكون قصر العدل أمام تطورات خطيرة للغاية».

في المقابل يضغط أعضاء في مجلس القضاء الأعلى باتجاه عقد جلسة سريعة للمجلس، ليخرج الحلّ من داخل المؤسسة. وأفادت مصادر مواكبة لتحركات أعضاء المجلس الراغبين في عقد الاجتماع سريعاً، بأن «اجتراح الحلّ من داخل مجلس القضاء هو المدخل لأي حل». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «البحث عن تسوية مؤقتة يؤجل المشكلة ولا يلغيها». وقالت: «يجب أن يجتمع المجلس بكامل أعضائه وبحضور القاضي غسان عويدات وتُطرح الأزمة على الطاولة للوصول إلى نتائج فعلية». ورأت أن «حماية القضاء من السقوط أهم من حماية قاضٍ بذاته (في إشارة إلى البيطار) أياً كان اسمه وموقعه». وأضافت: «لا أحد ضدّ البيطار ما دام يتّبع الأصول القانونية في عمله، ولا أحد يرغب في نسف التحقيق بانفجار المرفأ، لكن لا أحد يقبل بضرب مؤسسة القضاء عبر إجراءات مخالفة للقانون بغضّ النظر عمّن ارتكبها أو دفع لارتكابها».

وفي السياق، تقدّم أمس النائبان غازي زعيتر وعلي حسن خليل، بدعوى جديدة أمام محكمة التمييز المدنية، طلبا فيها ردّ البيطار وتنحيته عن الملفّ، بالنظر إلى «الأخطاء التي ارتكبها باستئناف التحقيق من دون مسوّغ قانوني». وتأتي هذه الدعوى استكمالاً لثلاث دعاوى رُفعت من نفس الجهة يوم الاثنين ضدّ البيطار؛ الأولى أمام النيابة العامة التمييزية اتهمته بارتكاب جرائم «اغتصاب السلطة، ومخالفة قرارات قضائية، وإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، وانتحال صفة محقق عدلي»، والثانية أمام هيئة التفتيش المركزي بـ«ارتكاب مخالفات مسلكية»، والثالثة أمام محكمة التمييز الجزائية تطالب بنقل ملفّ المرفأ من عهدته وتعيين قاضٍ بديل عنه بسبب «الارتياب المشروع»، وبذلك يرتفع عدد الدعاوى المقامة ضدّ البيطار إلى 45 دعوى، كلّها تتضمن نفس الوقائع وتطالب بعزله عن النظر بهذا الملفّ.