كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
تُلاحقنا أخبار الحرب الدّائرة في غزّة في كلّ مكانٍ وزمان. صورٌ ومشاهدٌ تُبكي الحجر وتُطبَع كالأوشام في ذاكرتنا وقلوبنا. نُريد أن نعرف أكثر، وأن نُشاهد بَعد، وأن نتعاطف بشدّة، وأن نُتابع كلّ ما يحصل ويُقال ويُنقل وكيف يتفاعل معه العالم. ولكن مُقابل هذه الحرب، نعيشُ حرباً داخليّة أكثر قسوة وفوضى.
ليست هذه الحرب ما يحصل على أرض لبنان، وإنما حربُ مشاعرٍ سلبيّة تُخالج كلّ واحدٍ منّا نتيجة إدماننا على مُتابعة الأخبار باستمرار. فكيف ينظر طبّ النفس الى هذه الظاهرة؟ وكيف يُمكن الحدّ منها؟
تؤكّد الإختصاصيّة في علم النفس العيادي ريتا أسمر بريدي أنّ “حالات الإدمان الالكتروني بشكلٍّ عام كثيرة في لبنان، ومتابعة الأخبار خصوصاً على التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي باستمرار هي جزءٌ من هذا الادمان، وهي حاجةٌ ورغبةٌ دائمة لا يُمكن ضبطها لمعرفة ماذا يحصل، وقد تصل الى حدٍّ يشعر فيه الشّخص وكأنّه في قلب الحدث فينسى حاضره ويشعرُ براحة مزيّفة وموقّتة لكونه يعرف كلّ شيء، ولكن في الواقع، هذا الأمر هو أقرب الى ما يُعرف باضطراب الوسواس القهري أو الـOCD”، مُضيفة، في مقابلة مع موقع mtv “يجب على كلّ شخص أن يعرف أنّ الحياة أشبه بدولاب، وكلّ فرد سيعيش حوادث مختلفة وستخالجه مشاعر عدّة، لذا من المهمّ ألا نعيش أدوار غيرنا، وأعني بذلك ألاّ نعيش الحرب ونحن لسنا فيها، لأن ذلك سيُرهقنا نفسيّاً لدرجة أنه عندما يُصيبنا شخصياً أيّ حادث أو ظرف، لن تكون لدينا القدرة النفسيّة على التعامل معه”، جازمة بأنّ “التعاطف هو صفةٌ مهمّة وأساسيّة في حياتنا كبشر ولكن لا يجب أن يؤثّر على سلامتنا النفسيّة”.
ولكن كيف نتعامل مع الإدمان على الأخبار؟ “أوّلا يجب أن نُدرك الأذية الصّادرة عن هذا الأمر، وثانياً يجب أن نرفض الاستمرار بممارسة هذا الادمان، وثالثاً، من الضروريّ أن نضع هدفاً واقعيّاً للحدّ من هذه الحالة”، تقول الاختصاصيّة، لافتةً الى أنّ “الحلّ يُمكن أن يبدأ بتخصيص فترات مُحدّدة يوميّاً لمُتابعة الأخبار، قد تكون ثلاث مرّات في اليوم كبداية، ويُمكن تقليص المدّة لاحقاً، والأهم، علينا أن نعرف أنّ الأحداث الكبيرة والمهمة سنعرفُها لو لم نكُن نتابع، ولن يفوتنا شيء”، مُسلّطةً الضّوء على مخاطر الإدمان على متابعة الأخبار الذي يُمكن أن يؤدي الى القلق والانهيار العصبي ويؤثر على العلاقات الاجتماعيّة للفرد كأي نوعٍ آخر من الإدمان”.
وفي السيّاق نفسه، تُحذّر أسمر بريدي من الضّرر الكبير الناتج عن مُتابعة أخبار الحرب ومشاهدة الصّور واللقطات المؤثّرة على الفئة العمرية ما بين الـ9 سنوات و14 سنة، مُعتبرة أنه “من المفضّل ألا يتابعوا الأخبار لأنها ستُدخل الكثير من العنف الى أدمغتهم وستُسبّب لهم الإحباط بالإضافة الى مخاوف كبيرة، خصوصاً وأن الأطفال والمُراهقين في هذه الأعمار يعيشون أصلا خوفاً من الموت ومن الانفصال عن الأهل، وعندما يَسألون عمّا يحصل، يجب أن تكون الإجابات مُبسّطة ومحدودة”.
وفي الختام، تقول الإختصاصيّة في علم النفس العيادي ريتا أسمر بريدي: “صحّتُنا النفسيّة هي أولويّة، ويجب أن نعيش الحاضر والواقع ونستفيد من كلّ لحظة في الحياة، وننشغل بأمورٍ إيجابيّة ونبتعد عن كلّ ما هو مضّرٌ لنا”.