كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:
إذا كنّا لا نزال قادرين على شراء بعض ما يتوفّر من أدويتنا في الصيدليات، باللّيرة اللبنانية اليوم، و(شراء) حاجاتنا من المواد الغذائية، باللّيرة أيضاً، فهل نموت جوعاً أو مرضاً غداً، إذا وصلنا الى مرحلة إجبارنا على الدّفع بالدولار حصراً، في الصيدليات، و”السوبرماركات”، و”الدكاكين”، و…، بموازاة القول لنا “ارحلوا من هنا”، إذا كنّا لا نمتلك الدولار؟
المحروقات
أكثر من مصدر مُتابِع لتطوّر الأزمة اللبنانية، يؤكّد أن مقياس الدرجة التي يُمكن أن يصل إليها الانهيار في لبنان، لا يحدّدها سعر صرف دولار السوق السوداء وحده، بل مراقبة حدود ومفاعيل ما يُمكنه أن يحصل على صعيد المحروقات، وتحديد أسعارها، وفرضها بحكم الأمر الواقع.
فالمحروقات هي من “المستوردات” بنسبة 100 في المئة، في بلد تحكمه الفوضى المالية “القاتِلَة”، فيما كل ما على الأرض، من صناعات، وحركة تصدير واستيراد، وعمليات شحن ونقل، وغيرها… أي الأعمال والأنشطة الاقتصادية كافة تقريباً، مرتبطة بها (المحروقات)، وبأسعارها، التي تحدّد بدورها أسعار كل باقي السّلع والبضائع، و”المستوردات”.
بالدولار حصراً؟
وبما أننا في البلد “الأمثل” للفوضى، نسأل، هل قد يكتفي البعض بالمطالبة بتسعير سعر صفيحة البنزين بالدولار، مقابل تخيير المستهلك بدفعها إما بالدولار، أو باللّيرة اللبنانية وفق سعر الصرف اليومي، أم انهم قد يعتمدون ما هو أسوأ مستقبلاً، وهو فرض الدّفع بالدولار حصراً، وذلك بالاستناد الى ما يتحدّثون عنه، حول أن الالتزام بالقانون اللبناني الذي لا يسمح بتسعير السلع إلّا بالليرة اللبنانية بات صعباً، بسبب عَدَم الاستقرار في سعر الصّرف اليومي.
وإذا حصل ذلك على صعيد قطاع المحروقات، ماذا سيكون مصير المدفوعات في كل باقي القطاعات اللبنانية، في دولة لا احترام للقوانين فيها، فيما الحجّة لخرق القانون موجودة، وهي عَدَم استقرار سعر الصّرف، مع الخسائر اليومية التي يفرضها ذلك على المستوردين، والتجار؟
10 مليارات
أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة أن “إبعاد عمليات التسعير بالدولار، عن السّلع المستوردة من الخارج كالبنزين، والتي تحتاج الى دولار لاستيرادها، تزداد صعوبة في بلد مثل لبنان، يستورد ما بين 80 و90 في المئة من حاجاته”.
وأشار في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى “النفاد المستمرّ لاحتياطيات لبنان من الدولار، الى درجة أنه يُقال إن الاحتياطيات المتبقّية في مصرف لبنان باتت عند 10 مليارات دولار، وهو رقم ما عاد بالإمكان النّزول تحته أكثر، مع الحاجة الى الاحتفاظ به لأمور أخرى في البلد أيضاً”.
تخيير الناس
وشدّد حبيقة على أن “إحدى طُرُق الحلّ قد تكون بتسعير سعر صفيحة البنزين بالدولار، ولكن مع ضرورة تخيير المواطن بين دفعها بالدولار، أو بما يعادله باللّيرة اللبنانية وفق سعر الصّرف. ويمكن الاتّفاق على صيغة معيّنة، تمنع الفوضى على محطات البنزين، في احتساب قيمة الليرة المُوازِيَة للسّعر بالدولار، في أوان الدّفع. ولكن الإبقاء على تخيير الناس في الدّفع بين الدولار أو اللّيرة، هو ضرورة”.
وأضاف:”الأمر نفسه يُمكنه أن ينسحب على عمليات شراء باقي السّلع المستوردة بالكامل من الخارج، والتي تحتاج الى الدولار لاستيرادها، مع تخيير الناس بين الدّفع بالدولار، أو بما يوازي قيمته باللّيرة اللبنانية، بحسب سعر الصّرف، منعاً للتسبُّب بخسائر لأحد. أما تلك التي يُمكن تصنيعها في الداخل، مع تأمين كامل المواد المُستعمَلَة في تصنيعها من الداخل أيضاً، فإنه يمكن الحفاظ على تسعيرها بالليرة اللبنانية”.
القانون
وردّاً على سؤال حول خطورة الوصول الى مرحلة عَدَم القدرة على شراء أي شيء في لبنان، إلا مقابل إلزام الناس بدفع ثمنه بالدولار حصراً، وذلك بحجة استمرار انهيار الليرة اللبنانية، أجاب حبيقة:”هذا ليس قانونياً. فقانون النّقد والتسليف يؤكّد حقّ الدّفع باللّيرة اللبنانية، وبطريقة تُفرَض فرضاً على كل مُخالِف للقانون، وبما يمنعه من الرّفض. لا يُسمَح لأيّ كان، ومهما كانت الذرائع، إلا بتخيير الناس بين الدّفع باللّيرة، أو بالدولار. ولكن لا يُمكنه فرض الدّفع بالدولار فقط، وحصراً”.
وختم: “في حال المُخالفة، يحقّ للزّبون أن يتقدّم بشكوى، قد تؤدي الى إقفال المحلّ الذي يرفض صاحبه اللّيرة اللبنانية، وصولاً الى حدّ دخوله (صاحب المحلّ) الى السّجن، بحسب الحالات، والمخالفة. فاللبناني مُجبَر على أن لا يرفض اللّيرة اللبنانية”.