كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
كادوا أن يقتلوهم مرتين لكن ثبُتَ أن السلطة السياسية التي فجّرت أولادهم في جريمة مرفأ بيروت وقضت على كل ذرة فرح من عمرهم الباقي مصرة على قتلهم ثلاث وأربع وربما إلى اللحظة التي سيلتقون فيها بأحبائهم!.
نعم صدقوا هذا ما تريد أن تفعله هذه السلطة السياسية الحاكمة باللاعدل واللامنطق واللارحمة واللاإنسانية واللامواطنة. أكثر من ذلك وزير العدل فيها يقفز فوق القانون ومواده بحجة “أسباب إنسانية” فيطلب من مجلس القضاء الأعلى تعيين قاضي تحقيق عدلي ثانٍ في حين أن الأصيل لا يزال موجودا بموجب قرار قضائي لكن يده “مكفوفة” بموجب قرار سياسي، والنواب المتهمون، والمجرمون الحقيقيون يسرحون ويمرحون ويتفرجون على دموع أهالي الضحايا ال220 ويتلذذون بمشاهدة الجرحى الذين ما زالوا يلملمون شتات أجسادهم.
يحصل كل ذلك من دون أن تهتز “إنسانية” . وحده مشهد نزول أهالي الموقوفين في ملف تفجير المرفأ إلى الشارع للمرة الثالثة أو الرابعة أو…لا فرق للمطالبة بإطلاق سراحهم لأسباب صحية حرك مشاعرهم !!!.
ما حصل في الأمس يوازي إلى حد ما قوة عصف انفجارالمرفأ، وقد تمثل بموافقة مجلس القضاء الأعلى على اقتراح وزير العدل هنري خوري، بتعيين محقق عدلي ثانٍ في ملف تفجيرمرفأ بيروت، يتولى مهمة البت بإخلاء سبيل الموقوفين في القضية، إلى حين عودة المحقق العدلي الأصيل طارق البيطار إلى ممارسة مهامه المجمدة منذ تسعة أشهر، بفعل الدعاوى المقامة من سياسيين ملاحقين في الملف يطالبون بتنحيته.
القرار أحدث صدمة لدى المراجع القانونية، التي اعتبرته حالة فريدة بتعيين محققَين عدليين في قضية واحدة، وهو ينذر بأزمة جديدة كما سيرخي بثقله على الواقع القضائي المنهك أصلاً. النائب في كتلة النواب التغييريين النقيب السابق ملحم خلف يؤكد لـ”المركزية” أن قرار تعيين قاضٍ ثانٍ في ملف تفجير المرفأ يشكل سابقة قانونية ويلفت إلى أن ” المحقق العدلي بحسب القانون يتم تعيينه من قبل مجلس القضاء الأعلى وبناء على طلب وزير العدل وعند صدور المرسوم لا يمكن إضافة أية مهام عما قرره القانون لجهة المهام المنوطة به. من هنا يعتبر قرار مجلس القضاء الأعلى بتعيين قاض ثان بمثابة تخطي للمحقق العدلي الأصيل”. ويسأل خلف مستغربا “لماذا لا يشكل مجلس القضاء الأعلى الهيئة العامة التي تختص بآلاف الملفات ،ولماذا لا تزال التشكيلات القضائية مجمدة ولا يتم تعيين رؤساء غرف التمييز، ولماذا لا ينظر المجلس بالدراسات التي أرسلناها إلى رئيس المجلس بعدما كنا راجعنا وزير المال مرات ومرات ومرات….كل هذه الأمور لم تحرك المجلس الأعلى، فقط عندما أرادوا عرقلة التحقيق في ملف تفجير المرفأ قفزوا فوق كل الإعتبارات وأصدروا قرارا بتعيين قاضٍ ثانٍ في ملف تفجير المرفأ …هذه فضيحة الفضائح”.
قرار وزير العدل هنري خوري بحسب توضيح خلف هو من دون سند قانوني” لأن الحق المعطى لوزير العدل سنداً لأحكام المادة 360 من أصول المحاكمات الجزائية قد استنفد بتعيين قاضي تحقيق هو القاضي طارق البيطار ولا يوجد أي سند قانوني لتعيين قاضٍ ثانٍ قبل حسم وضع قاضي التحقيق الأول من قبل مجلس القضاء الأعلى. حقا يستحق أن يطلق عليه صفة فضيحة الفضائح” يختم النائب خلف.
قبل ساعات من اجتماع مجلس القضاء الأعلى وصدور القرار “البدعة” زار نواب من التيار الوطني الحر، وممثلون عن أهالي الموقوفين القاضي سهيل عبود، وأثاروا معه ملف الموقوفين وضرورة إخلاء سبيلهم بعد أكثر من عامين على توقيفهم، وأعلن عضو تكتل لبنان القويالنائب سيزار أبي خليل بعد اللقاء أن الوفد ناقش مع القاضي عبود ملف المرفأ، وأن المجلس “وضع في أولوية جلسته اقتراح وزير العدل الرامي إلى تعيين محقق عدلي آخر للبت بإخلاء سبيل الموقوفين”.
لكن ماذا لو رفض المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الاعتراف بشرعية وجود محقق عدلي إضافي؟ وماذا سيحصل في حال رفض البيطار تسليم الملف للقاضي الثاني؟ ما هي معايير “القضايا والحالات الإنسانية”التي سينظر بها القاضي الثاني ؟ وهل يسرّع إطلاق سراح الموقوفين من عجلة صدور القرار الظني؟… والأهم من سيصدر القرار الظني وبناء على أية معلومات ؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا الانقسام الذي سيحصل داخل الجسم القضائي وكيف سيواجه أهالي الضحايا القرار الذين تفاجأوا كما الرأي العام اللبناني وسألوا”لماذا لا يصار إلى الإسراع ببت مسالة التشكيلات القضائية بدلا من الذهاب إلى تعيين قاض ثان فيما الأصيل مكبل اليدين؟
أسئلة تبدأ ولا تنتهي مع أجوبة غير محبوكة من قبل السلطتين السياسية والقضائية .والأكيد ان المواجهة مستمرة حتى جلاء الحقيقة وحتما مع سلطة سياسية جديدة إلا إذا….عندها يكون بات من الضروري إطلاق جناحي ملف تفجير المرفأ إلى القضاء الدولي حيث الحقيقة دون سواها.