تشهد الساحة الداخلية سباقاً محموماً ما بين الخراب الشامل الذي بات على الأبواب، وتنظيم الخلافات وانتظار المعجزة من خارج الحدود لانتشال لبنان من كبواته، وسط معلومات عن استعدادات وتأهّب لعصيان مدني أو أقلّه ابتكار نمط جديد في الشارع يقضي بمصادرة كل ما هبّ ودبّ إذا استمرت الأمور على ما هي، على اعتبار أنّ العوز يمتدّ إلى معظم البيوت، فيما يفتّش “ملوك الطوائف” عن ملاجئ تحميهم من الشر المستطير الذي يحيط بالناس. وعلى هذه الخلفية باتت معظم الزعامات والقيادات تلجأ إلى طوائفها على طريقة “يا غيرة الدين” و”وحدة الصف” و”حقوق الطائفة فوق كل اعتبار”، وصولاً إلى عدم المسّ بالمكتسبات، بينما الغلاف واضح وعنوانه: “ابتسم أنت في لبنان.. الانتخابات النيابية باتت قريبة جداً”.
وفي آخر الأجواء السياسية، فإنّ الخيار الذي تُجمع عليه كل الأطراف ويحسمه مرجع حكومي سابق بكلمتين لـ”النهار”: لا تأليف… ولكنّ السؤال المطروح: ماذا بعد؟ هنا تكشف أوساط سياسية مطلعة أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله سيعرّج في إطلالته اليوم على الوضع الحكومي، فالجميع بات محشوراً، وخصوصاً أنّ في بيئته الحاضنة، كما في كل الطوائف، لم يعد في استطاعة أحد أن يمون على أبرز المقربين إلى السياسيين والإعلاميين وسواهم بما في ذلك المحازبون، على خلفية الأزمات المستفحلة من الكهرباء إلى المياه والمحروقات والدواء والبن، واللائحة تطول والآتي أعظم.
وعليه فإنّ السيد نصرالله سيعمل على تطييب خاطر “الحليف البرتقالي” رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وسيحافظ على التوازن والتماسك ضمن “الثنائي الشيعي” ويحرص على عدم المسّ “بشق التوأم” في هذا التحالف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إذ سيواصل “حزب الله” دعم مبادرته التي هي استهلاك للوقت الضائع خوفاً من الانفجار الشامل وشراءً لوقت مليء بالتطورات والأحداث، وفي ظل ترنّح المبادرات الدولية وفي طليعتها المبادرة الفرنسية التي أضحت في عالم النسيان وفي جناح المفقودات. وهذا ما تؤكده أكثر من جهة تواكب الاتصالات الجارية على قدم وساق، بحيث لا يمكن للسيد نصرالله أن يُزعل باسيل والرئيس ميشال عون أيضاً، باعتبار أنّهما الغطاء المسيحي الأبرز لحارة حريك على رغم بعض التباينات، إنّما عمليات توزيع الأدوار والمناورات السياسية جارية على قدم وساق.
وتضيف المصادر أنّه في موازاة احتضان “حزب الله” لباسيل ولو على مضض، فإنّ “عين التينة” لن تفكّ ارتباطها بالرئيس المكلف سعد الحريري الذي غادر لبنان كونه يدرك بالتمام والكمال أن لا تأليف ولا من يحزنون، بل الاعتذار فقط هو أحد أبرز الخيارات والطروح، إنّما ثمة حركة في “عين التينة” وبالتواصل والتناغم مع الدول المعنية بالملف اللبناني وفي طليعتها باريس لإيجاد مخرج، على أن يتبع الاعتذار سيناريو يجب أن يكون جاهزاً وهو الآن قيد الإعداد، وربما عبر تكليف شخصية سياسية مستقلة بدعم من الحريري تشكيل حكومة إدارة الانتخابات. وهذا ما يجري بحثه في المطابخ المحلية، وإذا نجحت المساعي الجارية في هذا الإطار فالأمور قد تتبلور في غضون أيام، لأنّ اللافتة الأساسية المرفوعة في هذه المرحلة عنوانها “الحريري لن يؤلّف في عهد الرئيس عون، ولن يتنازل أو يعطي النائب باسيل ما يريده”، في مقابل أنّ “حزب الله” يعمل على التعادل السلبي بين الطرفين كي يحافظ على صلة الوصل مع الحريري من دون فك ارتباطه وتحالفه مع “ميرنا الشالوحي”.
ويبقى في حمأة هذا الصراع الحكومي الذي لم يسجّل أي خرق، أنّ “ملوك الطوائف” عادوا إلى طوائفهم، بعدما كان البعض قد هجرها لسنوات، واليوم يعود إليها على أكثر من خلفية وشعار، كونها ملاذَهم في مرحلة التحولات والمتغيرات والإفلاس السياسي والاقتصادي والمعيشي، وصولاً إلى أنّ مقتضيات المرحلة تحتّم عليهم شدّ العصب المذهبي والطائفي قبل الانتخابات النيابية في حال حصولها وإذا لم تصب بأي مكروه في خضم المخاوف المتزايدة من الارتطام الكبير، خصوصاً أنّ الأيام الأخيرة شهدت تدهوراً بالغاً على المستويات الحياتية، وهذا ما قد يؤدي إلى الفوضى العارمة التي بدأت معالمها تظهر وقد تتحول إلى كرة ثلج، ما سينسف كل الخيارات، وفي هذه الحال فإنّ بعض المرجعيات السياسية يرّدد قائلاً: “المجتمع الدولي يترقب المشكل الكبير أو الانفجار الذي قد يحصل في أي توقيت، ليلمّ البلد باتجاه تسوية، ودون ذلك الحلول في خبر كان”.