19-مايو-2025

كتب كبريال مراد في موقع mtv:

في مسرحيّة “فيلم اميركي طويل”، يستعرض زياد الرحباني الحالة المرضية لأحد اساتذة العلوم السياسية في المصح العقلي الذي تجسّده المسرحية، وقد راحت جارته تسأله يومياً “بدها تروق او تعلق؟”، وهي تنتظر إجابته لتعرف منه ما اذا كانت الأمور تسير نحو التسوية او التعقيد. وكّلما توقّع الاستاذ أن تتحسن الأوضاع كانت تتعقد، وكلّما توقّع أن تتعقد كانت فرص التسوية تزداد، فاختار الأستاذ أخيراً أن يقول: “والله يا حجّة، ما حدا عارف شي من شي!”.

يشبه هذا المشهد المسرحي أيامنا هذه، التي نشهد فيها الكثير من التكهنات والتحليلات والخبريات، بينما “ما حدن عارف شي من شي”. فإذا بنا ننام على حلحلة، لنصحو على تعقيد. نرتقب تصاعد الدخان الأبيض على وقع تسريبات عن اجتماع مهمّ منتظر، لنفهم مما نقرأه في اليوم التالي، أن المجتمعين غادروا بلا اتفاق، وأن أيام اللبنانيين ستزداد سواداً حتى اشعار آخر.
نعيش في الإنتظار، ولا أحد ممن يفترض به أن يكون من أصحاب القرار، يمكن أن يطمئننا على “أي برّ بدنا نرسي”، في غياب الرؤى وخريطة الطريق الواضحة لكيفية الخروج من النفق. وحده التأجيل هو سمة المرحلة. كلّ طرف ينتظر شيئاً ما، ليستخدمه في مصلحته في سبيل تحسين وضعه وشروطه. فإذا بالاسابيع والأشهر تمر على وقع تأزّم الأزمات، من المحروقات الى الدواء، مروراً بالمواد الغذائية.

قبل أيام، أخبرني عامل من التابعية البنغلاديشية على محطة محروقات، أن كل رفاقه غادروا “لأنو ما في مصاري”. وروى لي عامل آخر من التابعية المصرية مضى على وجوده في لبنان 15 عاماً، أنّه اضطر الى استعادة دولارات من أمواله المحوّلة الى مصر “لنعيش ونشوف حنعمل إيه” كما قال.
يختصر هذان المثلان واقع البلاد اليوم. كل ما فيها “مشقلب”. لا الأجنبي مرتاح، ولا اللبناني مرتاح. والأنكى أن البعض يتصرّف وكأن “كل شي تمام”. ففي النهاية، “ما حدن عارف شي من شي”.