على رغم أهمية زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة وما سينتج عنها من معادلات جديدة، فإن المواطن اللبناني الذي يقف في طوابير ذلّ التفتيش عن رغيف، ويعيش في عتمة ما بعدها عتمة، يتطلع إلى هذه الزيارة من زاوية ما يمكن أن يكون لها تأثيرات إيجابية على حياته اليومية، وعلى إمكانية إعادة الدورة الإقتصادية إلى طبيعتها، من خلال الضغط لتشكيل حكومة جديدة لوضع الحلول الممكنة على السكّة الصحيحة، تمهيدًا لإجراء إنتخابات رئاسية في موعدها بعد تنامي الحديث عن فراغ رئاسي قد يطول.
لا شك في أن العامل الرئيسي الذي يقف وراء زيارة بايدن للملكة العربية السعودية هو الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، وبالتحديد أزمة الطاقة الناتجة عن إمدادات النفط والغاز الروسيين، وخصوصا إلى دول أوروبا، وإنعكاس ذلك إرتفاعًا كبيرًا وقياسيًا في أسعار المحروقات في أوروبا وفي داخل أميركا نفسها وصار يعاني منه المواطن العادي الذي بدأ يضغط على حكوماته لإيجاد حلول تخفف عن كاهله وطأة غلاء أسعار السلع والخدمات.
من هنا أتت حاجة الرئيس الأميركي إلى تعاون السعودية، كأكبر منتج للنفط في العالم،فرأت الرياض في أزمة أوكرانيا فرصة لإظهار أهميتها واستعادة مكانتها التي تراجعت كثيرا لدى أميركا، التي تحاول التأكيد من خلال زيارة بايدن على معادلة تغيير ميزان القوى لمصلحة المملكة بعد الصراع الروسي في أوكرانيا على حدود أوروبا. كما تؤكد مكانة السعودية كدولة مؤثرة في النظام العالمي يفترض أن تحظى بتعامل يتناسب ومكانتها.
ولكن هذه الزيارة تكشف أيضًا عن عملية ترتيب الأوراق وتحديد الأولويات الأميركية بعد تجاهل استمر لأكثر من 18 شهرًا، سبقتها مواقف متشددة من دول المنطقة خلال حملة بايدن الإنتخابية وبعد وصوله إلى البيت الأبيض.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن زيارة بايدن للسعودية تأتي في وقت تتغيّر فيه موازين القوى العالمية، ولم تعد الولايات المتحدة في موقعها القوي الذي استمرت فيه خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصا في الشرق الأوسط، حيث تراجع دورها وتأثيرها كثيرًا. فالمعادلة العالمية تغيّرت، خصوصًا أن حرب روسيا في أوكرانيا فرضت واقعًا جديدًا في العالم، بالإضافة إلى المزاج الصيني والهندي الذي أصبح يسير في اتجاه إعتماد سياسات ومواقف جديدة.
هذه الزيارة وإن كان مرحبا بهًا في المنطقة ويعقد عليها البعض آمالًا كبيرة، إلا أنها تواجه بعض الصعوبات، ويكمن أحد جوانب صعوبة مهمة بايدن في أنه مطالب بأن يثبت بوضوح أن الولايات المتحدة تقّدر الصداقة مع حليف استراتيجي قديم، وأنها ستبذل المزيد لمعالجة هواجسه الأمنية، وتراعي مصالحه السياسية والإقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، على الولايات المتحدة أن تدرك أن مصر والسعودية لا يريدان أن تستمر الضغوط الأميركية كما كانت في السنوات الماضية، والتي حملت كثيرًا من التوتر بين الولايات المتحدة والعديد من دول المنطقة.
وفي ظل سعي واشنطن إلى إنشاء حلف دفاعي جديد في الشرق الأوسط لمواجهة التهديدات، يعتقد بعض المحللين أن إعادة رسم التحالفات في المنطقة تحتاج إلى تغييرات جذرية في السياسة الأميركية تجاه المنطقة. ولكن عودة الولايات المتحدة إلى مسرح الشرق الأوسط بهذا الثقل دليل واضح على تغيّر أميركي مفاجئ لم يكن في الحسبان السياسي، وحيث أن سياسة التقارب التي تنتهجها الإدارة الأميركية مع بعض دول الخليج والدول العربية لزيادة الحماية الأمنية، إستثمار سياسي على مستوى دولي لتحييد روسيا.
ما يحدث الآن في الشرق الأوسط هو المدخل لإرساء نظام عالمي جديد تتزعمه الولايات المتحدة، وتشارك فيه كل من روسيا والصين والإتحاد الأوروبي. وجاءت حرب روسيا على أوكرانيا لتزيد من وتيرة هذا التو ّجه، وهو: إرساء معادلة جديدة بين القوى الكبرى الأربع، لا سيما حدود ونفوذ ومصالح وتواجد كل من هذه القوى على ساحة الشرق الاوسط باعتبارها الساحة الأكثر إلتهابًا وأهميّة وخطورة في تحديد منطلقات واستراتيجيّات القوى الأربع الكبرى.
وربما يأتي دور لبنان في هذه المعادلة الجديدة من بوابة نفطه وغازه المدفونين في البحر، ومن خلال ما تحقّقه المفاوضات التي ترعاها أميركا بين لبنان وإسرائيل في عملية ترسيم الحدود. ويُحكى أن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة.
Lebanon 24