كتبت عزة الحاج حسن في “المدن”:
يواجه المواطن اللبناني شتى أنواع الضغوط المعيشية والاجتماعية، غير أن الضغوط الصحية تفوق بخطورتها كل ما عداها.. وآخر فصولها توقف الغالبية الساحقة من المستشفيات عن استقبال متضرري حوادث السير، إلا في حالة تعهّد ذوي المصاب بدفع الفاتورة الاستشفائية نقداً، وليس بموجب بوليصة التأمين الإلزامي، وبعض المستشفيات توقفت عن استقبال مصابي الحوادث كلّياً، تجنّباً للدخول بمشاكل ودعاوى مع المواطنين.
توقفت معظم المستشفيات عن استقبال متضرري حوادث السير الذين تغطي أضرارهم شركات التأمين بموجب بوالص التأمين الإلزامي، البالغ قيمتها ما بين 65 و75 ألف ليرة، وتغطي الأضرار الجسدية الناجمة عن حوادث المركبات.
قيمة بوليصة التأمين الإلزامي لا تزال على حالها، تُحتسب وفق سعر الصرف الرسمي للدولار أي 1515 ليرة، في حين أن المستشفيات تُلزم شركات التأمين والمرضى على السواء بسداد الفواتير وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء (وهو يفوق حالياً 15200 ليرة للدولار).
رفض استقبال “حوادث السير”
بعض المستشفيات لم يتخذ قراراً برفض استقبال مصابي حوادث السير بشكل تام. بل فرض عليهم الدخول للمعالجة على نفقتهم الخاصة وليس على حساب التأمين. بمعنى آخر، لم تعد تعترف المستشفيات ببوالص التأمين الإلزامي. والسيارات المؤمنة بموجبها باتت عملياً غير مؤمّنة. وبالتالي، بات متضررو حوادث السير في خطر كبير.
وكيف يمكن لأحد المتضررين من حادث سير أن يسدّد فاتورة علاج كسر في يده يستلزم تركيب سلك معدني، تبلغ فاتورة عمليته نحو 3000 دولار (أي ما يقارب 45 مليون ليرة)؟ فشركة التأمين لم تدفع منها سوى 4 مليون و500 ألف ليرة (أي 3000 دولار وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة)، وقد استدعى الأمر من المتضرر بحادث السير إلى استدانة المبلغ لسداد فاتورة المستشفى، في حين أن سيارته مؤمّنة.
زيادة سعر البوليصة
هذه حالة واقعية حصلت وتحصل مع عشرات المتضررين من حوادث السير، الذين يواجهون اليوم مشكلة في سداد فواتيرهم. وملايين المؤمّنين قد يواجهون المصير نفسه، فيما لو تعرّض أحد لحادث سير. من هنا، جرى البحث بين شركات التأمين ووزارة الاقتصاد بآلية تعتمد رفع أسعار بوالص التأمين الإلزامي، مقابل تغطية المتضررين وفق سعر صرف دولار السوق السوداء لمدة عام.
غير أن الاقتراح لم يصل إلى خواتيمه، حسب مصدر مطلع من لجنة مراقبة هيئات الضمان (شركات التامين)، في حديث إلى “المدن”. فالشركات تغطي على سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، باستثناء بعض الشركات التي تعتمد سعر صرف المنصة أي 3900 ليرة للدولار، في تغطية فواتير الاستشفاء الناجمة عن أضرار حوادث السير. لكن المستشفيات ترفض ذلك وتصر على تحميل المرضى فارق الفاتورة الاستشفائية.
أما عن تعديل سعر البوليصة بما يتناسب والتغطية على سعر الصرف الحالي، فحسب المصدر، لا يمكن البت بهذا الأمر في وقت قريب. فهو يستلزم إصدار مرسوم من مجلس الوزراء، ولا يحق لوزير الاقتصاد أن يصدر منفرداً قراراً بهذا الخصوص.
وإلى حين إصدار المرسوم، تقوم المستشفيات برفض استقبال المتضررين، إلا في حال التعهد بسداد فاتورة الاستشفاء وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء، في حين ترفض شركات التأمين تغطية الفاتورة إلا على سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة. وبعضها على سعر صرف المنصة 3900 ليرة. مع العلم أن العقد الإلزامي ينص على اعتماد تعرفة الضمان الإجتماعي. وتعرفة الضمان لم تتغيّر. وهي مقوّمة على سعر الصرف الرسمي. والمستشفى تُلزم المصاب بسداد فارق الفاتورة، وتدفعه لتحصيل الفارق من شركة التأمين صاحبة بوليصة التامين الإلزامي.
مخالفة القوانين
تحميل المُصاب أو المتضرر مسؤولية سداد فارق الفاتورة بين سعر الصرف الرسمي وسعر صرف الدولار في السوق السوداء، من شأنه إحداث أزمة قانونية على خلفية الجهة التي يجب أن تتحمل مسؤولية سداد فارق الفاتورة. وحسب مصدر قانوني، ففي المبدأ إن مالك السيارة أو المركبة عندما يجري تأميناً إلزامياً يكون رفع عن عاتقه مسؤولية الأضرار الجسدية التي قد تحدث للمتضرر جراء حوادث السير، أو حالات الصدم، أو غيرها من الأفعال، وتكون الشركة الضامنة مسؤولة عن سداد تكاليف الطبابة للمتضرر.
ولكن شهدنا أخيراً أن الشركة الضامنة تدفع فاتورة الطبابة على سعر صرف الدولار الرسمي، أي 1515 ليرة، فيضطر المتضرر إلى سداد باقي الفاتورة على نفقته الخاصة. وبالتالي يكون قد تعرّض لضرر مادي وجسدي
ويوضح المصدر القانوني في حديثه إلى “المدن”، أن هذا الأمر يتناقض مع قانون الموجبات والعقود الذي ينص صراحة على “أن حارس الجوامد المنقولة وغير المنقولة يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تحدثها تلك الجوامد، حتى في الوقت الذي لا تكون فيه تحت إدارته أو مراقبته الفعلية…”، ولذا، فإن تذرع مالك السيارة بإجرائه عقد تأمين لا يعفيه من تحمل كامل مسؤوليته تجاه أي ضرر يتسبب به، وتالياً على مالك السيارة أو سائقها أن يتحمل فارق التأمين على نفقته الخاصة، وعدم تحميل المتضرر أي عبء، على أن يعاود تحصيل ما يستحقه من الشركة المُصدرة للبوليصة.