23-نوفمبر-2024

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

لم تكن مهنة سائق سيارة الأجرة أو التاكسي يوماً في لبنان مهنة مربحة أو مهنة للمستقبل. كانت في السابق وفي أحسن الأحوال تستطيع أن تستر صاحبها ليؤمّن قوت عياله وتدفع عنه العوز. هذا في السابق، أما اليوم فكل شيء تغيّر، وهي كمهنة لم تعد «تطلع بهمّا» بلغة «الشوفيرية»!

العجيب في ما يحصل هذه الأيام أنّ سائق التاكسي وهو يعاني ما يعانيه من شدّة، ليس عليه فقط أن يتحمّل وضعه الصعب، إنما عليه أن يتحمّل أيضاً أوضاع الآخرين و»يعضّ عالجرح ويسكت». وينطبق على الإثنين، السائق وزبونه المثل القائل: «حطوا الميّت ع الميّت صار اللي تحت يعيّط».

حيدر شمعة سائق سيارة أجرة من أصحاب اللوحات الحمراء، اشترى سيارة (230 قطش) بلغته، موديل 1995، مع لوحة عمومية أو «نمرة بالدارج»، تكلّف عليهما الكثير. يشرح وضعه هذه الأيام فيقول لـ»نداء الوطن»: «عمري 69 سنة وهذه مهنتي من أكثر من 25 سنة. أملك مرسيدس وعليها لوحة حمراء. كانت مهنتنا في السابق تسترنا وماشي الحال. أما الآن فمع غلاء البنزين لم تعد تؤمّن أكلاً ليوم واحد».

ويضيف: «لديّ زبائن من أهالي قريتنا والقرى المجاورة، يحبون النزول معي من عكار إلى طرابلس. منهم طلاب جامعات وموظفون، والمؤسف هذه الأيام أنهم صاروا يدفعون لي الأجرة بالتقسيط، كل أسبوعين مرة وكل شهر مرة. هناك ركاب جدد كانوا ينزلون بسياراتهم إلى المدينة صاروا يفضّلون التاكسي لأنها تبقى أقل كلفة من سيارة بحاجة إلى أكثر من 300 ألف ليرة لمشوار ذهاب وإياب إلى طرابلس».

في واقع الحال المستجد، فإن أجرة التاكسي بين طرابلس وعكار وبالعكس أصبحت 100 ألف ليرة، والحبل على الجرار في ارتفاعها طالما أن أسعار المحروقات في ارتفاع. أما داخل القرى فصار الناس ينتظرون مرور أي «توك توك» لأن أجرته تبقى أقل كلفة من أجرة أي سيارة تاكسي، أو يفضّلون انتظار أي سيارة عادية تمرّ لتقلّهم في طريقها، والعسكر هم الأكثر تألماً من هذا الموضوع.. كما يفضّل كثيرون عدم التجول بسياراتهم أو بالتاكسي إلا في حالات الضرورة».

بدر عاشور سائق تاكسي يعمل على خط طرابلس – عكار منذ عشرين سنة، يشرح عن أوضاعه ويقول: «نعاني الأمرّين نتيجة غلاء المحروقات وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية وغلاء القطع ومزاج الناس وأحوالهم، ناهيك عن ارتفاع أسعار قطع الغيار والصيانة».

مشاكل سائقي سيارات الأجرة كثيرة من سنوات. لكنها زادت بفعل الإنهيار الحاصل. هم الآن يعتبرون بلا ضمان طالما أنه لم يعد يغطي تكاليف العلاج والأدوية، وارتفاع أسعار المحروقات رفع أجرة النقل فخفّت حركة العمل بعدما بات كثيرون يفضّلون الـ»توك توك» أو أي وسيلة أخرى على السيارة، ناهيك عن مضاربة السيارات والباصات غير القانونية لهم أيضاً، بعدما باتت مهنة سائق تاكسي «شغلة اللي ما عندو شغلة» بحسب أحد السائقين.

في أي دولة تحترم نفسها ومواطنيها تؤمّن الحكومة لهم النقل بأقل التكاليف فلا يكون هذا الأمر مشكلة بالنسبة إلى كل شرائح المجتمع. أما في بلد العجائب لبنان، فإن المواصلات مشكلة أساسية تكاد تسرق راتب الموظف بكامله ولا يكفيها. بماذا سيفكّر اللبناني وبماذا؟ وعلى ماذا سيقلق أكثر؟ أعلى الكهرباء وتأمينها؟ أم المياه؟ أم المواصلات؟ أم الأكل والشرب؟ أم الصحة والطبابة؟…