22-نوفمبر-2024

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: ثمة مَن يعتقد اليوم أنّ «الثورة» ماتت. وفي عبارة أكثر دقّة، «الثورة» لم يقتلها أحد، بل إنّها نَحرت نفسها بنفسها. وفيما أركانها ورموزها غارقون في منازعاتهم حول تشخيص الأزمة وطرق العلاج، تخرج منظومة السلطة من إرباكها وتزداد قوةً وثقةً في أنّها ستتمكن من حسم الجولات الأخيرة من الحرب.
حاول أركان «الثورة» خلق الذرائع لانكفائهم الذي لم يفهمه كثيرون. وفي مرحلة سابقة، استعملوا أحد تبريرين: الأول هو مَنْح حكومة دياب مهلة أشهرٍ لعلّها تفي بوعودها وتستجيب للمطالب. والثاني هو تَجنُّب النزول جماهيرياً إلى الشارع منعاً لتفاقم «كورونا».

لكن السبب الحقيقي لانكفاء هؤلاء أعمق من ذلك. إنّه الإرباك الذي يصيبهم والفشل والانقسامات ذات الطابع السياسي أو الاقتصادي أو الطائفي، والتباين في النظرة إلى لبنان وطبيعة موقعه ودوره. وبالتأكيد، المصالح والطموحات الشخصية التي تبقى الدافع الأساسي لالتحاق كثيرين بـ»الثورة».

لذلك، تبدو منظومة السلطة مرتاحة إلى «مستقبلها»، بعدما اطمأنت إلى سقوط «الثورة» أو «الانتفاضة». وفي عبارة أخرى، سدَّدت المنظومة ضربات قاسية إلى «الثورة» ومارست مع رموزها سبل الترغيب والترهيب والمخادعة. لكن «الثوار» في النهاية هم الذين انتحروا.

واليوم، يعاني «الثوار» من الشلل التام، بل إنّهم يتوارون خلف الأحداث، ولا مؤشرات إلى تحرُّكهم مجدداً، مع أنّ اللحظة التي وصل إليها البلد يُفترض أن تتسبَّب بانفجار سياسي واجتماعي عفوي يمكن أن يطيح كل ما هو قائم.

فوق ذلك، في هذا المناخ، إذا جرت الانتخابات النيابية فلن يكون لجماعة «الثورة» تأثيرٌ يُذكَر. أولاً لأنّ منظومة السلطة ستَرسم قانون الانتخاب ومجريات العملية كما تريد. وثانياً لأنّ «الثوار» أنفسهم منقسمون ولا قدرة لهم على تحقيق الانتصارات في الدوائر الانتخابية.

هذه الوقائع والتوقّعات تدفع إلى التساؤل: إذاً، ما كانت هذه «الثورة» التي أشعلها اعتراض على ضريبة 6 سنتات على ««الواتساب»، ولا يشعلها اعتراض على نهب المليارات من مال الدولة والناس والجوع والوجع والذلّ؟

وهل صحيح أنّ ما جرى كان مجرَّد ترجمة لتعليمات من الخارج، أُريدَ منها تحقيق أهداف معينة وقد فشلت أو جرى استنفادُها؟ أو أنّ القوى الخارجية قد تراجعت عن خطتها، فسقطت «الثورة» وعادت اللعبة إلى ما كانت عليه قبل 17 تشرين الأول 2019؟
المصدر: الجمهورية