19-أبريل-2024

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

لم يعش اللبناني يوما ذلّاً مماثلاً، لم يقف في عزّ الحرب في طوابير بحثاً عن السكّر والارز والزيت والحليب، فعلاً كفر من أزماته المتلاحقة، بات يلاحق المدعوم، يمضي نهاره بحثاً عن محلّ أو سوبرماركت تبيعه هرباً من أسعار السلع الملتهبة، حتى لو اضطرّه الأمر للوقوف ساعات يشحذ كيس سكّر ربّما لن يجده وسط العجقة. ما حصل في أحد محلات بيع السلع المدعومة في تول ويحصل في كل دكّان وسوبرماركت يُفرج عن سكّر وزيت مدعوم لا يبشّر الا بالمجاعة. فالناس تخشى الأسوأ، تركض خلف المدعوم من “ميلة لميلة” ولو كلّفها الأمر الوقوف ساعات بالطابور.

لساعات طويلة بقي الناس في الطوابير في بلدة تول الجنوبية ينتظرون فتح باب أحد المحال الذي أعلن عن وصول المدعوم عبر صفحته على “فايسبوك”، غير أنّ صاحب المحل فضّل الإقفال على حدوث إشتباك حول المدعوم المتوافر حسبما قال لـ”نداء الوطن” مؤكّداً “نّ الناس يأسرها المدعوم لأنّه ما زال أرخص من غيره”، من دون أن ينسى الإشارة الى أنه أقفل محله ليومين بعد تدخّل محافظ النبطية تجنّباً لوقوع اشكالات وتعارك لأجل الحصول على كيس سكّر.

يشغل المدعوم الناس، بات شغلهم الشاغل ولو كان في سابع أرض، ففي ظلّ الازمات المستفحلة التي تعصف بيومياتهم بات يستحيل على ربّ الاسرة شراء كرتونة بيض وكيس بطاطا، طعام الفقراء في ما مضى، فكيف يواجه ظروفه، وماذا ينتظر بعد؟ يبدو أنّ سياسة الذلّ المتّبعة حالياً تنذر باقتراب الانفجار الاجتماعي، فالمواطن الذي يرابط منذ السادسة صباحاً بانتظار الحصول على كيس حليب لا يستبعد أن يتحوّل مجرماً ليحصل على حقّه، على حدّ قول فاطمة التي وقفت لأكثر من ساعتين في صفّ الذلّ كما وصفته لتحصل على غالون زيت مدعوم بـ 45 الف ليرة. لا تنكر السيدة الثلاثينية “أنّ الناس كفرت بكلّ الطبقة الحاكمة التي تمارس سلطة “تفليس الشعب وتنشغل بتناحر الكراسي بدلاً من الإنشغال بإجتراح الحلول للأزمة”.

يقف يوسف أمام سيارته، يدخّن سيجارته نوع “سيدرز”، يراقب حركة تزايد الناس امام محل المدعوم، يضحك في سرّه “أفّ لوين وصلنا بالذلّ، لنشحذ كيس سكّر مدعوم، يا عيب الشوم ع الشعب”. قصد يوسف المحل بعدما قرأ الإعلان، ظنّ أنّ بإمكانه الحصول على اليسير من حقّه في سلع باتت شحيحة، غير أنّه شعر بالندم، “مين وصّلنا لهيدا المشهد، وين نواب المنطقة اللي انتخبناهم، مبسوطين بطوابير العار”؟ لم يعد شيء يقلق الناس أكثر من لقمتهم، الكلّ إستشعر الخطر وبات مقتنعاً أنّ المدعوم تبخّر في جيوب التجّار الفاسدين، أو شفطه النازحون الذين يزحفون بكثافة الى السوبرماركت لشراء المدعوم على حساب اللبناني. وِفق المصادر فإنّ السوري يعمد الى شراء السكّر والزيت والعدس والارز المدعوم ويبيعه للدكان الذي يرفع السعر اضعافاً، أما اللبناني فيقف بالطابور ينتظر حصّته المسروقة. وبحسب المعلومات، فإنّ لا بضائع مدعومة ستكون متوفرة في السوق، أقلّه في اليومين المقبلين، والسبب زحف الناس لشفطها بدقائق، ما دفع بإتجاه الامتناع عن شرائها، ولو كان الامر سيضرّ بالمواطن غير المدعوم، ولكن تقول المصادر “ما بالبيد حيلة، فالكلّ يرى ماذا يحصل حين يتوفر المدعوم في احد المحال، وهذا لا يبشّر الا بكارثة انسانية لن يستيطع أحد ايقافها الا بمأساة ودم، علّ الزعماء يتحرّكون ولو لمرّة لمصلحة المواطن لا لمصلحة الكراسي”.

لم تهزّ مشاهد الطوابير ضمائر الزعماء، ولم تتحرّك وزارة الاقتصاد لضبط الأسعار، والنتيجة ذلّ ما بعده ذلّ، والآتي أخطر.

MTV