كتب فؤاد خليفة:
ليَعُدْ ليَعُدْ أولئك الشجعان الذين اجتاحوا الصمت الأسْوَد.
عودوا أيُّها الأعزّاء لقد حضرالمستقبل!
أنسي الحاج
الكثير كُتِبَ وسوف يُكتَبْ عن نهاية سنة 2019 وسنوات 2020 و2021. حتى سنة 2022 تتحضّر للانضمام الى مجموعة من السنين رأينا خلالها انكسار نموذج عيشِنا وتنامي الفروقات المجتمعية بسبب الاختلال بالتوازن الذي سبَّبه ويُسبِّبه عامل فقدان الثقة بكل شيء: بالدولة وما ترمز اليه، بالنظام السياسي وفشلِه الذريع، بالسياسات الاقتصادية والمالية وغيابها شبهِ التام، بالقطاع المصرفي وخسارته لدوره المحوري في المجتمع، وبالسياسات النقدية التي نجحت وبكلفة مرتفعة بالابقاء على تماسك النظام والنموذج، الى أن وصلت الى حدود امكانياتها أمام فشل الطبقة السياسية بالقيام بأدنى واجباتها.
السؤال المطروح اليوم ليس فقط حول التوصيف التقني لما حدث ويحدث، بل أيضاً حول المطلوب كي نخرج من دوامة الانهيار ونحلمَ بوطن نريدُه على الأقلّ كما كنا نعرفه، خلال سنة، سنتين، أو حتى ثلاث سنوات. ولن يُكتَب لنا النجاح ما دمنا نقترح حلولاً رقمية وتقنية ومالية دون أن نلتفِت الى النموذج الاقتصادي الذي نريد والذي يضع المواطن اللبناني في صلبه، ودون أن نعترف بالمسبب الرئيسي للورطة الكبيرة التي نحن فيها: الفساد السياسي والمالي والاخلاقي، والصمت الأسودْ لكل من له مصلحة باستمراره…
وتمثّل المصارف أهم ضحية لهذا الصمت الاسودْ، فهيمثل سائق التاكسي الذي يأخذ رجلاً لِلَعبِ القمار كل ليلة، ورغم محاولات السائق المتكررة خلال الطريق أن يُثني الرجل عن لعبِ القمار وأن يحُثّه على العمل والكدّ ووضع خطة للحصول على الاموال بغير القمار، يستمر الرجل باللعب وبخسارة امواله، حتى اذا أفلسَ كلياً خرج ليتّهم سائق التاكسي بأنه هو من كان يوصِله للعبِ القمار وبالتالي هو سبب افلاسه ووصوله الى هذا الدَرْك (!)، فيُحطّم له سيارته ويجيّش الزبائن الآخرين كي يفعلوا بالمثل، بينما المستفيدون كُثر وصامتون. صمتٌ أسود وغبارٌكثيف أمام الواقع المرير.
قامرتُم بلبنان وبمستقبله، وسرقتُم موارده وأضعتُم عليه الفرص بغبائكم. وما استمراركم بالتغاضي عن المطلوب الا لأن لبنان صَلب بأبنائه ولن يموت. أبناؤه الذين يجترحون الحلول والأعاجيب للأستمرار، رغماً عن أنكم تركتُم البلد دون موازنات عامة لسنوات، وشرّعتُم الحدود لأفواج النازحين، وسرقتُم حيث وصلت أيديكم في القطاعات كافة (وأوقحها قطاع الطاقة) وفي صناديق السرقة والهدر، وتجاهلتُم توصيات المؤسسات المالية الدولية وتحذيرات المصرف المركزي المتعددة على مدى ثلاثين عاماً، وتخلّفتُم عن الالتزام بما وعدتم به من اصلاحات ضرورية، وأغرقتُم القطاع العام بأزلامِكم وأقريّتُم سِلسِلة رتب ورواتب لشراء ولائهم، ودمرّتُم كافة القطاعات الانتاجية وجعلتُم ديمومَتها ضرباً من المستحيل، ووقعتُم بالخطيئة الكبرى عندما أعلنتُم أخيراً في آذار 2020 عن افلاس الدولة وعدم امكانيتها سداد ديونِها، وجئتُم اليوم تُلقون تبعات فسادكم وجشعكم وِقصْر نظركم على سائق التاكسي!
بلدُ صراع كان وسيبقى…انه قدره. علينا أن نجترح المعجزات كل يوم وعلى جميع الأصعدة… لنستمر. ولو كان العيش في هذا الوطن الرائع سهلاً، لأسمَوْه شيئاً آخر بدل “لبنان”. كفى تحطيماً بكل ما يعطي هذا الوطن عناصر القوة، ولنبحث عن “شجعان” أنسي الحاج حيث أن المستقبل قد حضَر، ولن يُنقذَه الا شجعانٌ بالحق ونظافة الكفّ والعلم والمعرفة وعدم الارتهان الا للبنان… تباً لنا ان لم نجدهم!