تتساقط روزنامة المهل السياسية لتأليف الحكومة الواحدة تلو الأخرى. بث القوى السياسية الأجواء التفاؤلية لا ينطوي على أية وقائع ملموسة، كما ان الحبال مستمر بين ميرنا الشالوحي وبيت الوسط، وكل الإيجابية التي أشيعت في الأيام الماضية عن تقدم في مسار الإتصالات بين المعنيين أصبحت سوداوية خلال ساعات قليلة، فكل فريق قرر إطلاق أوراقه المستورة والتي أدى انكشاف بعضها إلى توقع الاعظم ، طالما أن النائب جبران باسيل يعمل وفق قاعدة علي وعلى أعدائي يا رب. فالعقوبات الأميركية التي وفق تصريحاته لم تهمه، اتضح أنها تركت تأثيرا مباشراً على مكانته في المعادلة السياسية. صحيح أن تياره لا يزال الاقوى على المستوى النيابي والشعبي، بيد أنه منذ ذلك الحين يسلك طرقات سياسية متهورة ستؤدي به إلى “جهنم” التي حذر الرئيس العماد ميشال عون في نهاية العام 2020 من أن لبنان يتجه إليها.
فشلت مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري من دون أن يعني ذلك أن مساندته الحريري أخسرته سياسيا دور المنقذ للبلد ، فحزب الله أوكل إليه مهمة تدوير الزوايا بين الحريري وباسيل، وكذلك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فضلا عن البطريرك الماروني بشارة الراعي، لكن الاتصالات وصلت إلى طريق مسدود ليل الاثنين الثلاثاء. فلقاء بعبدا الذي جمع المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا وصل إلى طريق مسدود. بحثت خلال اللقاء الصيغ المطروحة على الطاولة وتمت” شقلبة” توزيع الحقائب وجرى التقدم بأفكار جديدة حيال الاسمين المسيحيين، بيد أن موقف باسيل التعطيلي، كما تقول الاوساط السياسية لـ”لبنان24″ بقي على حاله، فخلال الاجتماع الذي عقد في جناحه الخاص في القصر الجمهوري لم يكن باسيل متجاوبا مع الطروحات وكأنه يتعمد عدم تسهيل الحل، وهذا ما اتضح بعد اجتماع “تكتل لبنان القوي” أمس، فهو قرر الاستمرار بزرع الالغام في طريق تشكيل الحكومة بتجديده الطلب من الرئيس عون الدعوة إلى طاولة حوار رغم انه يدرك قبل غيره أنها لن تؤدي الغرض المطلوب منها ،خاصة وأن رؤساء احزاب سياسية ورؤساء حكومات سابقين قد لا يشاركون فيها اذا كانت الغاية منها الانقلاب بطريقة غير مباشرة على الدستور، هذا عطفا عن انها فكرة تركت ارتيابا عند تيار المستقبل والرئيس المكلف، علما أن اعلانه التأييد الكامل “لمسعى الرئيس بري بمعاونة حزب الله من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة وأنه لن يوفر أي وسيلة لتسهيل ولادة الحكومة برئاسة الحريري” ، لم يكن الا مسايرة سياسية شكلية.
حتى الساعة، يحظى الرئيس المكلف بدعم روسي بارز، ولديه شبكة من العلاقات مع الادارة الاميركية الجديدة يفتقدها باسيل وعدد من القوى السياسية الاخرى، فضلا عن الدعم المصري لتأليف حكومة برئاسته، وهذا يعني أن الموقف الفرنسي المتأرجح من دعم الحريري لاستكمال مهمة التكليف من اجل التأليف، ربما يبدي الحريري تفهما له، لكن الاكيد أن الاخير ليس بصدد الاعتذار في الوقت الراهن، فحساباته السياسية لا تخوله اللعب على حافة الهاوية، خاصة وان 10 اشهر تفصل المعنيين عن الانتخابات النيابية، وبالتالي لا يجوز الخطأ، وهناك من ينصحه من المقربين منه بعدم الاعتذار او التنازل، انما التمسك بطروحاته والتصدي لمحاولات الانقضاض على صلاحيات رئاسة الحكومة والمحافظة على شعبيته لا سيما وانه يتعرض لحملات من التيار الوطني الحر وبالتالي لا يجوز ان ينهزم امام العهد الذي سوف تنتهي ولايته من دون تحقيق أي انجازات وعد بها.
أمام كل ذلك، الخيارات في المقلب الباسيلي كثيرة ولو لم يتم الافصاح عنها صراحة ولا تزال في دائرة التلميح والتهويل. ومع ذلك فإن قرار الاستقالة من المجلس النيابي، كما تقول مصادر مطلعة مقربة من الثنائي لـ”لبنان24″ سوف تكون غير ذي جدوى اذا لم ترافقها استقالة لنواب الجمهورية القوية عطفا عن انها ستكون ضربة في المجهول، صحيح ان المجلس النيابي لا يفقد ميثاقيته باستقالة نواب تكتل لبنان القوي والجمهورية القوية، اذ ان الميثاقية المسيحية تبقى متوفرة من خلال نواب تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والنواب المستقلين وبعض النواب المحسوبين على المستقبل والاشتراكي، لكن الاكيد أننا سوف نشهد انحلالا لعمل المؤسسات وعندها قد يفوت الاوان على الجميع، فالبلد في قعر الكساد الاقتصادي والمالي وتدخل المجتمع الدولي سيكون محصورا بالمساعدات الانسانية للبنانيين وبدعم الجيش.
يبقى الاكيد وفق معلومات مصدرها الثنائي الشيعي، أن حكومة الانتخابات لم تبحث بعد على البساط العريض وجل ما في الامر أن افكارا يجري تناقلها في الاعلام عن توجه فرنسي لتاليف حكومة انتخابات، لكن الامور لا تزال ضبابية، في حين أن المشهد الراهن يكشف ان لاحكومة في المدى المنظور ولا اعتذار.