23-نوفمبر-2024

كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:

صعوبة الأوضاع المعيشية والسياسية والأمنية التي يمر بها لبنان لم تحجب الاهتمام عن جلسة مجلس النواب التي خصصت لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية. والمواطنون الذين لا يبالون بالمشاحنات التي تجري بين السياسيين، انشدوا لمتابعة مجريات الجلسة لأنها كانت تحمل مؤشرات تفجير للأوضاع على خلفية الاحتقان الطائفي والمذهبي، خصوصا بين كتلة «لبنان القوي» التي يرأسها جبران باسيل والمؤيدة لرئيس الجمهورية، وكتلة «تيار المستقبل» التي يتزعمها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، وأحد أوجه الانشداد الشعبي تجاه ما كان يجري في قاعة الأونيسكو كان أمل المواطنين بأن يحمل لهم مجلس النواب تسوية على تشكيل حكومة عتيدة تعمل على إنقاذ الوضع المتهالك في اللحظات الحرجة الأخيرة.

مهما يكن من أمر، فإن مناقشة رسالة رئيس الجمهورية كانت بمنزلة الفرصة الذهبية للرئيس المكلف سعد الحريري لتوضيح بعض الملابسات التي رافقت عملية تأخير تشكيل الحكومة، وبعض هذه الملابسات كانت تحمل الحريري مسؤولية كبيرة عن تأخير التأليف، وقد نجح الحريري نجاحا واضحا في مداخلته، وألقى الضوء على بعض خفايا العرقلة، محملا رئيس الجمهورية وفريقه المسؤولية عن الفراغ، لكن الحريري خسر من جهة ثانية لأنه وضع بخطابه أشواكا إضافية أمام مهمته الحكومية، والمرونة التي تضمنتها كلمة النائب جبران باسيل لم تتمكن من توفير التوازن بين رؤية الفريقين المتناكفين، وبقي المشهد العام يميل لصالح الحريري، خصوصا أن الكلمات التي ألقيت باسم كتلة حزب الله وكتلة القوات اللبنانية وكتلة الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة المردة، إضافة إلى كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري، غلبت عليها سمة الوسطية مع ميل نحو التهدئة، ورفضوا جميعا الدخول في مساجلات دستورية في هذه اللحظة السياسية الحساسة، وهذا ما لم يكن في صالح الرسالة الرئاسية، رغم أن الجميع أكدوا على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة الإنقاذية وحث الحريري على مضاعفة مساعيه.

من الناحية الموضوعية، لا يمكن إيجاد الحلول للمعضلات المالية القائمة إلا من خلال حكومة فاعلة وقادرة وتتمتع بتفويض يجنبها الدخول في المزاركات الحزبية والشخصية والفئوية، لأن هذه المزاركات كانت على الدوام وسيلة تعطيل للقرارات المفيدة. وبالفعل، فإن جانبا كبيرا من الرأي العام كان متفهما لما جاء في مداخلة الرئيس الحريري لناحية تحرير الحكومة المزمع تشكيلها من القيود التي تكبل إنتاجيتها، ولكن في الوقت ذاته فإن غالبية القوى الشعبية تميل الى الطلب من السياسيين تجاوز كل الاعتبارات الخلافية، وإنتاج تسوية وسطية تنقذ البلاد من الفراغ وما يجره من ويلات.

صحيح أن الدستور يعطي رئيس الجمهورية حقا واضحا لإبداء الرأي في تشكيل الحكومة التي تصدر بموجب مرسوم موقع منه بالدرجة الأولى، وصحيح ايضا أن الدستور أشار الى أن رئيس الحكومة المكلف لا يمكن أن يؤلف الحكومة إلا بعد الاتفاق مع رئيس الجمهورية، ولكن الدستور ذاته يشير في المقدمة الى أن: الدولة تعتمد النظام البرلماني الديموقراطي، وأساس هذا النظام هو مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، وبالتالي البرلمان هو الذي يعطي الثقة للحكومة، او يحجبها عنها، واشتراط موافقة رئيس الجمهورية على كل التشكيلة، يتعب الرئيس، ويسيء لكونه رئيسا للدولة بكل مكوناتها، ويضفي بعض التشويه على النظام البرلماني، ولا يخدم بأي شكل من الأشكال الميثاقية التي تفرض تمثيل الطوائف، لأن هذه الطوائف ممثلة بالبرلمان الذي يتشكل مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ونسبيا بين مذاهب كل من الطائفتين وفق المادة 95 ـ التي نصت ايضا على ضرورة الشروع في إلغاء الطائفية ـ وبالتالي على هؤلاء النواب أن يقوموا بالمهمة الفئوية وليس رئيس الجمهورية الذي يجب أن يبقى حكما بين الجميع، وخصوصا لكون الدستور يعطيه حق ترؤس جلسات مجلس الوزراء ساعة يشاء، وأن يطلب إعادة النظر في أي قرار يتخذه المجلس.

نجح الرئيس نبيه بري في توليف التخريجة المقبولة التي صدرت بموجب موقف وسطي رفض إعادة النظر بالتكليف، ولكن المجلس دعى ايضا للإسراع بتأليف الحكومة وهي وحدها القادرة على السير على طريق الإنقاذ، لكن نخشى أن تكون المناقشات التي جرت قد أبعدت ولادة الحكومة أكثر مما قربتها.