صحيح أنه بموجب الفقرة العاشرة من المادة 53 من الدستور اللبناني، يستطيع رئيس الجمهورية توجيه رسائل إلى مجلس النواب في مسائل وطنية تستوجب عقد جلسة للهيئة العامة للمجلس لدرس مضمون هذه الرسائل وإتخاذ ما يتناسب من قرارات مصيرية في ما يتعلق بمسائل تحمل صفة العجلة وتحت باب “الملحّ والضروري”. وهذا الأمر يدخل في خانة الصلاحيات المتبقية لرئيس الجمهورية المفترض به أن يكون حكمًا في أي نزاع وليس طرفًا، الأمر الذي يفقده في الحالة الثانية صفة المرجعية التي يجب اللجوء إليها في الملمات الجلل وفي الأوقات الصعبة ليفصل في ما بين المتخاصمين كحكم محايد، بإعتباره رئيسًا لجميع اللبنانيين وليس لفريق دون آخر، وهذا ما يجعل سلطته فوق كل السلطات.
فالرسالة التي يوجهها رئيس الجمهورية، أي رئيس، يجب أن تكون دوافعها وطنية مئة في المئة، وأن تحظى بإجماع لبناني أو أقّله شبه إجماع، وليس كما هي الحال اليوم بالنسبة إلى الرسالة التي وجهّها الرئيس ميشال عون إلى المجلس نفسه الذي كلّف الرئيس سعد الحريري مهمة تشكيل الحكومة بعد الإستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية، ويطلب فيها سحب هذا التكليف وإعتباره كأنه لم يكن تمامًا كحال زوجين يختلفان ويلجآن إلى المحاكم الروحية لفسخ الزواج وإعتباره باطلًا.
هذا الأمر سيشكّل إحراجًا للنواب الذين سبق لهم أن سمّوا الرئيس الحريري، وبالتالي سيخلق مشكلة عمودية بين النواب الذين سمّوا والذين لم يسمّوا، أي مشكلة طائفية ومذهبية بإمتياز، وهو فخّ يعتبر البعض أنه مقصود، وذلك في محاولة جديدة لذر الرماد في العيون ولتمويه الحقائق وحرف الأنظار عن قضايا يعمل البعض على تمريرها في الوقت الذي يكون فيه اللبنانيون منشغلين بقضايا أخرى، ومن بينها الوضع الحكومي والهموم المعيشية وأخبار سعر الدولار وإرتفاع اسعار السلع الإستهلاكية.
وفي رأي مصدر سياسي محايد ان مضمون رسالة الرئيس عون يجب أن يعالج في غير مكان، وليس في مجلس النواب، وهذا ما دفع الرئيس بري إلى القول “ما تجيبو خلافاتكن لعّنا”. وعلى رغم ذلك وإحترامًا لمنطوق الدستور دعا إلى جلسة اليوم، مع إصراره على عدم تجاوز النواب “المتحمسين” الخطوط الحمر، وحصر الجلسة بتلاوة الرسالة الرئاسية والإكتفاء بردّ من الرئيس المكّلف بإعتباره المعني مباشرة بهذه الرسالة وإقفال باب المناقشات عند هذا الحدّ، مخافة أن تنحو الأمور إلى مناحي طائفية ليس الآوان آوانها. أمّا ما يُقال عن جلسة ستعقد الأثنين للمناقشة فيكون من قبيل “من ضرب ضرب ومن هرب هرب”.
ولأن مضمون الرسالة لا يتعلق بأمور وطنية طارئة، وهو محصور دستوريًا بين رئيس الجمهورية والرئيس المكّلف فإن إرسالها إلى مجلس النواب وإقحامه في مسألة ليست من إختصاصه يُعتبر، برأي بعض المصادر المعنية، إمعانًا في التفريط بما تبقّى من صلاحيات لرئيس الجمهورية، التي يجب أن تُستثمر في المكان والزمان الصحيحين، وليس “في كل مرّة يدقّ الكوز بالجرّة”.
ناشط سياسي معروف بتهكمه توقع أن يكون لسان حال الحريري اليوم في مداخلته تعليقًا على الرسالة …”ضربنا وبكى سبقنا وإشتكى”.