كتبت ماجدة عازار في “نداء الوطن”:
“بعدما بات اللبنانيون مُهدّدين بحقوقهم المدنية والمعيشية والمالية والنقدية، يتهدّدون اليوم بمرجعيتهم الدستورية الأهم لحماية حقوقهم، الا وهي القضاء الذي من دونه تنعدم اي امكانية لتحصيل حقوقهم. ومن هنا نستشفّ وجود مخطط غير معلن لضرب جميع مؤسسات الدولة وبالتالي انهيار البلد بالكامل”.
صرخة من القلب يطلقها الوزير السابق المحامي زياد بارود، وتعبرّ عن وجع شديد بعدما انسحب التهديد اليوم على المرفق القضائي، وهو إذ يُقرّ بوجود مشكلة في القضاء، يؤكد لـ”نداء الوطن” أن منبع التهديد يكمن في تعاطي السلطة السياسية مع هذا المرفق وعدم القيام بواجباتها ورفضها إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، فالمشكلة الاكبر في السلطة ومن ثم تأتي مسؤولية مجلس القضاء الاعلى الداخلية بتنقية جسمه. لكن في انتظار حصول ذلك، التشكيلات القضائية عالقة، فمجلس القضاء الأعلى وضعها ولم يأخذ بملاحظات وزيرة العدل بل أصرّ عليها وبالاجماع، فلو سلّمنا جدلاً أن اخطاء ما تشوبها، فأقلّه لنتركه يتحمّل مسؤولية ما يقرّره. فكيف ننادي باستقلالية السلطة القضائية ونرفض في الوقت نفسه التشكيلات التي وضعها مجلسها الأعلى؟ القضاء يقول عن نفسه انه مأزوم فكيف نعالج هذا التأزم إذاً؟ هل نعالجه بتفريغ مجلس القضاء ام بعدم ترك المؤسسات القضائية كالتفتيش القضائي مثلاً تعمل؟”.
وفيما يحوم شبح التعطيل حول عمل مجلس القضاء الأعلى مع اقتراب تاريخ 20 ايار وبدء العد العكسي لانتهاء ولاية الاعضاء السبعة غير الحكميين فيه وصعوبة التوافق على الأسماء في ظل الخلاف السياسي ورفض رئيس حكومة تصريف الاعمال انعقادها لعدم مخالفة الدستور، يسأل بارود: “ما المانع من سلوك الاجراءات الطبيعية”؟ ويضيف:”لا يمكن لمجلس الوزراء عدم الاجتماع، ولو في ظل حكومة تصريف اعمال، لمعالجة قضايا ملحّة ترتبط بمهل، فكم بالحريّ اذا كانت ترتبط بتسيير مرفق عام قضائي؟ من دون مجلس القضاء الأعلى سيتعثّر عمل هذا المرفق، وليس صحيحاً أن الدستور يمنع حكومة تصريف الاعمال من الاجتماع، فهل الرئيس نجيب ميقاتي خالف الدستور عندما اجتمعت حكومة تصريف الاعمال برئاسته عام 2013 لتعيين رئيس واعضاء هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية؟ ليست المرة الاولى التي تجتمع فيها حكومة تصريف الاعمال ولا شيء يمنع دستورياً أن يجتمع مجلس الوزراء ببند وحيد ملحّ على جدول الاعمال لتأمين استمرارية عمل المرفق العام القضائي، وهو سلطة دستورية حسب المادة 20 من الدستور، فكيف نعطّلها؟ وايهما أخطر؟ ترك العدلية من دون مجلس قضاء أعلى ام اجتماع مجلس الوزراء ببند وحيد لتعيين اعضاء المجلس وتسيير العمل القضائي؟ كل ملف يرتبط بسير مرفق عام كمجلس القضاء الاعلى او بمهل لا يمكن تخطّيها كالموازنة او بقضايا ملحّة تتعلق بالامن القومي اللبناني كالمرسوم 6433 لترسيم الحدود البحرية، يمكن لمجلس الوزراء أن يجتمع للبتّ بها، بل أقول إنه يتوجب عليه ذلكّ!”.
الانتخابات هي المفصل
ويرى بارود “أنّ المفصل هو في استحقاق 2022 النيابي، فالانتخابات النيابية المقبلة لا يمكن الّا تتم علماً أنّ عدداً كبيراً من القوى السياسية لا يناسبها ان تجرى الانتخابات، ولا تريدها ان تجرى لسببين: الاول، أنّ البعض منهم استشعر تراجع شعبيته ويفضّل بالتالي الّا يذهب الى الانتخابات الآن، والسبب الثاني والاهمّ، اذا حصلت الانتخابات في موعدها، ويجب ان تحصل في موعدها، فإنّ المجلس الجديد هو من سينتخب رئيس الجمهورية قبل 31/10/2022 واعتقد أنّ هذا ما يجعل بعض القوى السياسية التقليدية تفضّل أن ينتخب المجلس النيابي الحالي الرئيس، وليس المجلس الجديد الذي سيشهد توزيعاً مختلفاً للقوى السياسية، لكن قناعتي انها مغامرة كبيرة اذا قرّروا التمديد للمجلس، لأنّ التمديد غير دستوري اولاً، ولوجود حالة شعبية ترفض كلّياً أي تمديد بل تطالب بانتخابات نيابية مبكرة. فاجراء الانتخابات في موعدها هو أبسط الايمان، ولا اعتقد أنّّ أي شيء يؤجّلها سوى لا سمح الله وضع أمني خطير جداً، فلا اعتقد أن شيئاً يمكن أن يؤثّر على اجرائها لا الوضع المالي ولا “كورونا”.
انتفاضة كبيرة وفوضى
وإذ يراهن بارود على أن الانتخابات في موعدها يطرح سؤالاً كبيراً: “هل سنتمكّن من عبور هذه الفترة من اليوم حتى حصولها؟”، ويرى “ثورة كبيرة في الافق مع اقتراب رفع الدعم الكامل وليس بصورة مُقنّعة، وسننزل جميعاً الى الشارع لنقول كفى. فالشركات الكبرى تعلن افلاسها وتصرف موظفيها فكم بالحري وضع اصحاب الدخل المتواضع بالليرة اللبنانية ورواتبهم لم تعد تساوي شيئاً؟ كيف سيتمكّنون من الاستمرار؟ تفاقم الوضع سيدفع حتماً بالناس الى الشارع بغضّ الحديث عن ثورة منظّمة ام لا. لم يبق امام الناس أي شيء لكي تخسره والخشية كل الخشية هي بأن تترافق انتفاضة اللبنانيين على واقعهم هذه المرة مع فوضى أمنية لا احد يدرك مداها”.
ولا يرى بارود ان الحل يكمن في استقالة رئيس الجمهورية، فالاستقالة اولاً خيار متروك له وموقع الرئاسة لا يجوز ان يكون مكسر عصا لأحد، وهناك فارق بين ان يأخذ بنفسه خيار الاستقالة اذا وجد انها ستؤدي الى حلحلة ما وبين دفعه الى هذه الخطوة. لكن استقالة رئيس الجمهورية فقط خطوة غير كافية، فالاستقالة لا يجب ان ينتج عنها فراغ. هل يستطيع مجلس النواب اليوم ان ينتخب رئيساً جديداً، ام سيؤدي ذلك الى فراغ في سدة الرئاسة الاولى؟ علماً أن انتخاب الرئيس يتطلب ثلثي عدد الاصوات وعدد النواب اليوم 118 وليس 128 ويبقى تأمين 86 صوتا (أي ثلثي عدد أعضاء المجلس) لانتخاب الرئيس متعذّرا، فهل سنعود الى ما رافق الدورة الاولى والدورة الثانية والمشاكل التي شهدناها ابان الفراغ الرئاسي لسنتين؟ فالمشكلة معممة في طبقة سياسية بكاملها ولا تنحصر برئيس الجمهورية فقط. ثم، في حال شغور الرئاسة الأولى، فإن الحكومة هي التي تمارس مجتمعة مهام رئيس الجمهورية حسب الدستور، والحكومة اليوم مستقيلة وهي حكومة تصريف اعمال ولا تصرّف حتى بالمعنى الضيق، فكيف ستمارس صلاحيات رئيس الجمهورية”؟.