23-نوفمبر-2024

كتبت زينب نعمة في “الأخبار”:

بعد أسبوعٍ من شفائها من فيروس كورونا، بدأت ريم تدرك أن شيئاً ما غريباً يحدث معها، فقد بدأت تشعر بأن معظم الروائح التي تشمّها كانت إما روائح «مجارير» أو «بصل متعفن» أو «حيوانات نافقة». وفي بعض الأحيان، تحضر تلك الروائح بلا سبب، فيما تأتي في مرات أخرى في منتجات «أعرف رائحتها، ولكن عندما أشمّها، أشمّها برائحة عفنة».

لم تكن تلك مشكلة عابرة، إذ طالت الأزمة أسابيع ما سبّب لها ذعراً كبيراً. وهي، بطبيعة الحال، لم تكن وحيدة، إذ ثمة «جيش» من المتعافين ممّن لم يستعيدوا حاستَي الشم والتذوق، وهو ما أشارت إليه آخر الدراسات التي أجريت في جامعة ستراسبورغ الفرنسية، في حزيران الماضي، على عدد من مرضى كورونا (متوسط أعمارهم 39 سنة) تمّت متابعتهم بين ٦ أشهر وسنة بعد تعافيهم من الفيروس. وأظهرت الدراسة أنّ حوالى 91% من المتعافين استعادوا حاستَي الشمّ والتذوّق بشكل سليم بعد 6 أشهر من الإصابة بالفيروس».
وبحسب تلك الدراسة وغيرها، لا يكون فقدان الحاستين تاماً في كل الحالات، إذ إن هناك نوعين من التشوّه: «الهلوسة الشميّة الذوقية» (parosmia) أو «فقدان الحواس النهائي» (anosmia).

بحسب التوصيف العلمي لهذين المصطلحين، يشير مصطلح «باروسميا» إلى أن الشخص الذي يصاب بهذا العارض يشمّ في الغالب رائحة موجودة ومعروفة لديه تماماً، وإنما بشكلٍ آخر مختلف، كأن تتحول رائحة عطرٍ كان يستمتع به إلى رائحة أخرى هي عبارة عن رائحة سمك متعفن أو نفايات أو روث أبقار، إضافة إلى التغيرات الكبيرة في طعم المأكولات. أما الإصابة بـ«أنوسميا» فتعني الفقدان التام لحاسة الشم. كأنها لم تكن.

يتطرق الإختصاصي في جراحة الأعصاب والدماغ في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور حسين درويش، إلى الأسباب التي تؤدي إلى التشوه ويرجعها الى «تضرر الخلايا الداعمة أو المساعدة (‏sustentacular cells) بشكل كبير، وموت جزء كبير منها أثناء التعرّض للفيروس». وبحسب درويش، هذه الخلايا «صغيرة ورفيعة مسؤولة عن نقل الاستشعارات الحسيّة والناقلات العصبيّة للدماغ. وأيّ ضعف أو خلل يصيب هذه الناقلات يؤثر تلقائياً على حواس الإنسان بشكل واضح». ويلفت إلى أن النسبة الأكبر، أي «بحدود 80% من المصابين بفيروس كورونا عانوا من مشاكل الفقدان التامّ لحاستَي الشمّ والذوق» أو ما يسمى «أنوسميا».

وبحسب درويش، تعود تلك الحواس إلى العمل مع تعافي الخلايا المساعدة الداعمة، والذي يتم من خلال «إنتاج خلايا أخرى بديلة من قبل الخلايا الجذعية الموجودة في جسم الإنسان». ومن المعروف علمياً أنّ لخلايا الجسم القدرة على أن ترمّم نفسها، ولا سيّما الخلايا الداعمة (sustentacular cells) الموجودة في الأنف والمسؤولة عن الشمّ والتذوّق بسبب تلازمهما معاً. مع ذلك، يؤكد درويش أن ثمة ضرورة لإجراء «بعض الفحوص أثناء الإصابة بكورونا لتحديد المشكلة الفعليّة وما إذا كانت هناك التهابات في الشرايين المحيطة بالخلايا، لأنّه في هذه الحالة تحديداً يجب أن يتمّ وصف علاج الكورتيزون للمريض لإزالة الالتهاب وتخفيف الضرر».
ومن بين الطرق العلاجية المعتمدة من الأطباء لإعادة تأهيل حاستَي الشمّ والذوق «الشمّ المتواصل لروائح قويّة ولأكثر من مرة في النهار ما يحفّز هذه الخلايا وينشّطها، بحيث يستعيد المصاب قدرته على الشمّ والتذوق بشكل سليم تماماً».