15-يونيو-2025

لم ينجح قانون الانتخاب الذي أُجريت على أساسه انتخابات العام 2018 في ضبط النفقات الانتخابية للمرشحين، رغم الضوابط التي وُضعت. فمَن وضع القانون في العام 2017 ترك ثغرات تسمح للمرشّحين بالتلاعب في تبرير مصاريفهم، ما يفسّر إصرار هيئة الإشراف على تضمين توصياتها بعض التعديلات التي تسمح بضبط المصاريف الانتخابيّة على نحو مُحكم أكثر. واليوم وفي ظل الوضع المالي الصعب والاجراءات والضوابط التي تضعها المصارف على سقف السحوبات، كيف ستتم مراقبة النفقات الانتخابية، خصوصاً الـ”كاش” منها؟

في هذا الإطار، أشار رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات القاضي نديم عبد الملك في حديث لـ”النهار”، إلى أنّ “من الضروري تعديل المادة 59 من قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44/2017، ورفع السرّية عن كلّ الحسابات المصرفية الخاصّة بالمرشّح وأصوله وفروعه طوال فترة العملية الانتخابية، كي يكون للهيئة الحقّ في مراقبة جميع حسابات المرشح، خلال الحملة، له ولزوجه ولأبنائه، وليس فقط مراقبة حساب الحملة الانتخابية الذي فتحه في المصرف”. وشدد عبد الملك على أنّه “يجب إعادة العمل بنصّ المادّة 60 من قانون الانتخاب رقم 25/2008، التي تعطي الهيئة صلاحيّة الاطّلاع في أيّ وقت تشاء، على حساب الحملة الانتخابيّة العائدة للمرشّح أو اللائحة، وطلب أيّ إيضاحات أو معلومات أو مستندات من المصرف الذي تمّ فتح حساب المرشح أو اللائحة فيه”.

ضبط الإنفاق الانتخابي لم يكن أصلاً موفّقاً

استناداً الى ما تقدم، هذه التعديلات قد تساعد في ما لو كان الوضع الاقتصادي والمصرفي في لبنان يسير كما في السابق، ولكن في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة والضوابط التي فرضتها المصارف على المودعين، ومن بينهم المرشحون، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ستتمكّن هيئة الاشراف من ضبط النفقات الانتخابية في هذه الحالة، والتي قد يضطرّ فيها المرشح الى دفع نفقاته “كاش”؟

وفي هذا السياق، قال الوزير السابق زياد بارود لـ”النهار” إن “مسألة النفقات الانتخابية هي إشكالية منذ ما قبل الأزمة، لأنّ النصوص التشريعية التي حاولت ضبط الإنفاق عجزت كلّها عن ذلك لسببين رئيسيين: الأول يتعلّق بالسرية المصرفية التي لا تزال قائمة بالنسبة الى المرشحين وأزواجهم وفروعهم، علماً أنّ ثمّة آليات لرفعها اعتُمدت في مجالات أخرى، كتبييض الأموال والإرهاب والتهرّب الضريبي والإثراء غير المشروع… لكنّها لا تزال قابضة على أصوات الناخبين وتسمح بتخطّي ضوابط الحساب المصرفي الخاص بالعملية الانتخابية والذي ثبت عدم جدواه”. وأضاف: “أمّا السبب الثاني، وربطاً بالسبب الأوّل وتفرّعاً عنه، فهو وجود العملة النقدية وتداولها على نطاق واسع وغير مضبوط إلّا شكلاً. وبالتالي، فإنّ ضبط الإنفاق الانتخابي لم يكن أصلاً موفّقاً ولا فعّالاً ولا مجدياً”.

وأوضح: “أمّا اليوم، وفي ظلّ الأزمة المصرفية والنقدية، فستتعاظم المشكلة وسيكون من الأصعب ضبط الإنفاق غير القانوني، لأنّ الحساب المصرفي الخاص بالحملة الانتخابية المنصوص عنه في القانون لم يكن هو المصدر الوحيد للإنفاق بالنسبة إلى عدد كبير من المرشحين، على رغم التزام بعضهم الآخر بالقانون وبالأصول، ما أدّى، بالمناسبة، إلى خرق المساواة وإسقاط تكافؤ الفرص”.

تقاضي المبالغ النقدية لن يكون سهلاً

والسؤال اليوم: هل سيقبل “مقدّمو الخدمات” (services Providers) أن يتقاضوا من المرشحين أو من اللوائح شيكات مصرفية بالليرة أو بالدولار؟ وإذا قبلوا، فهل يكون بدل الخدمة واقعيّاً أم مجرّد كتابة دفتريّة؟

في رأي بارود أنّ “تقاضي المبالغ النقدية لن يكون سهلاً بالنسبة إلى هؤلاء إذا كانوا سيعمدون إلى إيداع تلك المبالغ في حساباتهم، نظراً الى تشدّد المصارف، تطبيقاً للقانون، في معرفة مصدر الأموال النقديّة المودعة”. وشدّد على أنّ “الأخطر سيكون تداول “الكاش” على نطاق واسع في ما يعرف للأسف بشراء الأصوات والضمائر، وهنا، الراشي والمرتشي على وئام وتوافق، والصمت الاتّفاقي سيكون سيّد الموقف… يبقى فقط أن تحصل عمليّات رصد تؤدّي إلى افتضاح أمر مرشّح راشٍ، لأنّ العواقب القانونية قد تكون وخيمة عليه، ماذا وإلّا، فالمراقبة التي تؤدّي فعلاً إلى الطعن بنتائج الانتخابات لن تكون سهلة”.

وفي الوقت الذي يتّجه العالم إلى التخلّي عن التداول بالعملات النقدية لمصلحة بطاقات الدفع، مثلاً، أو التحويلات المصرفيّة أو حتّى الشيكات التقليدية، وكلّها قابلة للرصد والمتابعة (tracking)، نجدنا نرجع إلى الوراء في اتّجاه الاقتصاد النقدي الذي هو في المطلق مشروع “زعبرة”، وهو في الانتخابات ضربٌ لنزاهتها.

المصدر: “النهار