18-أبريل-2024

كتبت إيناس شري في “الشرق الأوسط”: 

فرضت الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ عام 2019 توجهاً أكبر نحو الزراعة، وذلك بدافع أساسي يرتبط بالأمن الغذائي الذي بات مهدداً مع انهيار قيمة العملة المحلية، وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، وارتفاع كلفة الاستيراد، ما ساهم في اتساع المساحات المزروعة بشكل لافت.

وأظهرت صور انتشرت منذ أيام على وسائل التواصل الاجتماعي، التقطت عبر الأقمار الاصطناعية، توسع مساحة الأراضي الزراعية في البقاع بين عامي 2020 و2021 نحو السفوح الجبلية في السلسة الشرقية والسلسة الغربية، بعدما كانت تقتصر على وسط سهل البقاع، الأمر الذي أكده وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى، لافتاً في حديث مع “الشرق الأوسط” إلى أن العام الماضي شهد استصلاح 6 آلاف دونم من الأراضي في مختلف المناطق اللبنانية، وأن هذا العدد سيرتفع العام الحالي، وذلك انطلاقاً من معيارين: الأول الحاجة الملحة للبنانيين الذين يمتلكون أراضي للتوجه نحو الزراعة، إن لم يكن بهدف الاستثمار فبهدف الاكتفاء الذاتي، والثاني يتعلق بمواكبة وزارة الزراعة لهذا التوسع عبر العمل مع منظمات دولية لاستقدام أموال دعم لمساعدة الراغبين باستصلاح أراضٍ زراعية.

ويلفت مرتضى إلى أن وزارة الزراعة، مع الإقبال على استصلاح الأراضي الزراعية، سهلت المعاملات في هذا الشأن، إذ سمحت للبلديات، تحت إشراف من الوزارة، بإعطاء رخصة لاستصلاح الأراضي تحت الـ3 دونمات.

ويشير مرتضى إلى تأثير ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية على المزارع، وبالتالي على القطاع الزراعي عموماً، فالمواد الأولية ارتفع سعرها، ما رفع كلفة الإنتاج الزراعي، الأمر الذي يدفع إلى دعم التوريد كي يستطيع المزارع الحصول على الدولار الجديد الذي يؤمن استمراريته. ومن هنا، تعمل الوزارة على تحسين نوعية الإنتاج المحلي وتطوير المزارع، بالتزامن مع التواصل من خلال اللجنة الاقتصادية بالوزارة مع الدول التي حظرت استيراد بعض المنتجات الزراعية من لبنان بسبب عدم مطابقتها معايير الاستيراد.

ويشير تقرير نشره “كارنيغي” لـ”الشرق الأوسط” إلى أن كلفة إنتاج الخضار في عام 2020 ارتفعت بنسبة نحو 40 في المئة منذ 2019، بينما ازدادت تكاليف الاستثمارات الجديدة، كأنظمة الري أو المعدات الضرورية للخيم الزراعية، بنسبة 80 في المئة بسبب انهيار قيمة الليرة اللبنانية، محذّراً من انهيار الإنتاج في موسم 2021 مع استمرار انهيار الليرة الذي قد يؤدي إلى زيادة التكاليف التشغيلية بنسبة 175 في المئة، وتكاليف الاستثمارات الجديدة في قطاع الخضار حتى 350 في المئة؛ هذا مع احتساب الدولار على أساس 8 آلاف ليرة، في حين أنه تجاوز الـ10 آلاف.

ويدعم مصرف لبنان بعض المواد الأولية المستوردة المستخدمة في الإنتاج الزراعي على أساس سعر صرف 3900 ليرة، إلا أن المزارعين يشكون من تأخر فتح الاعتمادات لأشهر، فضلاً عن محدودية المواد المدعومة.

ويشير مرتضى إلى أن وزارة الزراعة قدمت مشروع قانون لإنشاء صندوق للمزارع أحالته إلى لجنة الزراعة النيابية، مضيفاً أن هذا القانون، في حال إقراره، سيحمي القطاع الزراعي وكل المزارعين، في حال حصول كوارث طبيعية أو كساد بالمواسم.

بالإضافة إلى هذه المشكلات التي طرأت على القطاع الزراعي مع انهيار قيمة العملة الوطنية، يعاني هذا القطاع من مشكلات متجذرة تعدّ معوّقات أساسية أمام تقدّمه، منها “الفوضى”، وفق تعبير المهندس الزراعي حنا مخايل الذي يشير في حديث مع “الشرق الأوسط” إلى غياب التنظيم من قبل الجهات المعنية، لا سيما وزارة الزراعة، فيما يتعلق بنوع المنتجات المزروعة أو التي يجب زراعتها حتى لا يقتصر الإنتاج على أنواع معينة تكسد في نهاية المطاف، فضلاً عن غياب خطط ربط هذه الزراعات بأسواق التصريف الداخلية والخارجية، مذكراً بعدم الانتهاء من مسح الأراضي الزراعية حتى اليوم الذي يعد خطوة أساسية لتنظيم هذا القطاع.

في هذا الإطار، يلفت وزير الزراعة إلى أن آخر أرقام تتعلق بمسح الأراضي الزراعية تعود إلى عام 2010، وأن استكمال المسح يحتاج إلى إمكانيات كبيرة تسعى الوزارة إلى الحصول على التمويل اللازم لها من منظمات دولية، لافتاً إلى أن الوزارة تعمل حالياً، بعدما حصلت على التمويل، على ما يسمى سجل المزارع، وهو مشروع يساعد في تحديد المساحات المزروعة وأنواع المزروعات وعدد المزارعين، وكذلك يشمل الثروة الحيوانية؛ أي جميع القطاع الزراعي.

ولا يشكّل الإقبال على القطاع الزراعي في لبنان حتى اللحظة خطوة مبشرة ببلد منتج زراعياً، كما يقول مخايل، لا سيما أن الإقبال الذي ارتفع منذ عام 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية اتسم بالمبادرات الفردية التي لا يمكن أن تشكل بديلاً عن الدولة، ولا حتى تستطيع تأمين الاكتفاء الذاتي بمفهومه الأوسع، فمعظم هذه المبادرات لا تملك عناصر الاستمرار، إذ يمكن أن تتوقف في أي لحظة يتوقف فيها الدعم الذي غالباً ما يكون عبر جمعيات غير حكومية.

يُشار إلى أن وزارة الزراعة نشرت استراتيجيتها الوطنية للأعوام (2020-2025)، وتطرقت فيها للمرة الأولى إلى موضوع الأمن الغذائي، لا سيما أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت من نهاية عام 2019 إلى نهاية عام 2020 بنسبة تجاوزت الـ367 في المئة، وهي اليوم أعلى بكثير في ظل استمرار تدهور قيمة الليرة، ما انعكس تراجعاً كبيراً في قدرة المواطنين الشرائية الذين بات العدد الأكبر منهم يشتري ما هو ضروري فقط حتى من المواد الغذائية.

MTV