كتب نادر حجاز في موقع mtv:
“خان الأمانة وأصبح عنواناً لقلة الوفاء”، لم يتردّد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بوصفه بهذه الكلمات، مختصراً تاريخاً صاخباً بين ميرنا الشالوحي ووزراء دفاعها المتعاقبين واليرزة.
التوصيف طبعاً لا يشبه أدبيات التيار الوطني الحر تجاه المؤسسة العسكرية، وقد اعتبر نفسه دائماً “أمّ الصبي”، لكن الجرّة انكسرت هذه المرة. فرغم أن الرئيس ميشال عون مَن اختاره لتولّي مهمة قيادة الجيش، إلا أن الأيام اللبنانية الساخنة لاحقاً لم تترك للعماد جوزيف عون من مكان لدى سيّد الرابية، ولا صهره.
طفح الكيل بين العمادين عقب 17 تشرين، يوم خالف القائد ما طُلب منه، واختار أن تكون له قيادته الخاصة للاستحقاق الذي هزّ البلد. فكان بأدائه المحايد أشبه بفؤاد شهاب عشية ثورة 1958 أو حتى ميشال سليمان بنسخة الـ2005.
اعتاد عون على الشارع اللبناني المتفجّر، فاجتاز قطوع عين الرمانة، وكان “داهياً” على كوع الكحالة. واستطاع أن يؤمّن عبوراً آمناً لشاحنة “الحزب” ومعها مصير البلد. وكانت فرصة لرفع نقاطه في الضاحية، والتي قد تعينه متى دقّ جرس جلسة انتخاب الرئيس العتيد، إذا حافظ على بزّته العسكرية إلى ذلك الحين.
فالعام 2023 كان صاخباً فعلاً بالأحداث الأمنية، حتى كاد بعضها يوصل البلاد إلى شفير فتنة خطيرة. وعند كل محطة كان الرهان الوحيد هو على الجيش اللبناني وكيفية تعامله مع الأحداث على الأرض.
وتميّز قائد الجيش طوال هذه السنة بحنكة وحكمة في إدارة الملفات الأمنية، تماماً كما حصل على وقع اشتباكات مخيم عين الحلوة، يوم رفض أن يزجّ الجيش رغم كل محاولات الاستدراج التي تعرّض لها. وكان على الأرض، وأبقى على الأبواب مفتوحة أمام الجيش. فزار صيدا في عزّ معارك المخيم، وكذلك البقاع رغم الاشتباكات العنيفة مع تجار المخدرات والكبتاغون، والتي كان لها وقعها أيضا في دول الخليج التي طالبت لبنان مراراً بوضع حدٍّ لهؤلاء ومنع التهريب الى بلدانهم.
الأبواب المفتوحة أمامه داخلياً، شُرّعت أيضاً دولياً وعربياً. ويحفظ عناصر المؤسسة العسكرية له أنه حافظ على كرامتهم في عزّ الازمة الاقتصادية من خلال زيارته الى واشنطن والحصول على مساعدات كبيرة أمّنت لهم الطبابة الكاملة في حين اهتزت المؤسسات الضامنة في البلد على وقع الانهيار، إضافة الى المساعدة المالية الشهرية بقيمة 100 دولار، ولاحقاً تأمينه مساعدة مشابهة من قطر.
لكن جوزيف عون لم يعد من قطر وواشنطن بمساعدات فقط، إنما دخل السباق بقوة الى قصر بعبدا، وبعض الموفدين لم يترددوا بطرح اسمه بالمباشر في لقاءات بيروت.
ربما من السهل الآن أن نفهم سبب “الجنون الباسيلي” والاستماتة لإحالته إلى التقاعد، فمتى خلع قائد الجيش البدلة العسكرية ستسقط حظوظه الرئاسية. لكن ذلك لم يحصل وخسر باسيل الجولة، واستحق قائد الجيش لقب شخصية العام بعدما كاد أن يسقط في أيامه الأخيرة.