05-ديسمبر-2024

كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”: 

بمعزل عن الاهتمام الخارجي بالمؤسسة العسكرية، مهما كانت هوية قائدها، باعتبار أنّها عمود الاستقرار الأساس في البلد، إلّا أنّ الثقة في شخص قائد الجيش العماد جوزاف عون من العوامل المُطمئنة للدول والأفراد، لمساعدة المؤسسة عينياً أو مالياً أو عسكرياً، بحسب جهات على صلة بالدول المؤثرة. وهناك إجماع على أنّ العماد جوزاف عون نجح على أكثر من مستوى، على رأس المؤسسة العسكرية، من «الإصلاح» وإرساء مبدأ الشفافية إلى حُسن الإدارة وإبقاء المؤسسة متماسكة وصامدة والوقوف إلى جانب جميع العناصر… إلى النجاح «سياسياً» بالتعامل مع أكثر من استحقاق وتخطّي أكثر من «قطوع» وإدارة العلاقة مع «حزب الله».

يُربط تمديد ولاية قائد الجيش بالدعوات الخارجية إلى تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش جنوب الليطاني مقابل انسحاب «حزب الله»، وبأنّ الأميركيين والأوروبيين يراهنون على العماد جوزاف عون لتطبيق ذلك بـ»القوة». لكن تعامل الجيش مع فتح «الحزب» الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، يدلّ بوضوح، إلى أنّ الجيش يعمل ضمن القرار السياسي وتوجيهات الحكومة. وبالتالي، يعلم الجميع، في الداخل والخارج، أنّ الجيش لا يُمكن أن يأخذ بصدره قرار مواجهة «الحزب»، ما يعني تفكُّك الجيش وحرباً أهلية.

مهما تعدّدت أسباب تمديد ولاية قائد الجيش، يبقى الأساس بالنسبة إلى الدول المعنية بالشأن اللبناني، الحفاظ على الجيش للحفاظ على لبنان. وتستمرّ المؤسسة العسكرية بتلقّي تبرعات ومساعدات وهبات، منها عسكرية ضمن برامج سنوية وغالبيتها من الولايات المتحدة الأميركية، ومنها أيضاً من لبنانيين مقيمين ومغتربين عبر مبالغ صغيرة أو تقديم «مُختبر» أو أدوية على سبيل المثال. ومنذ تسلّم عون قيادة الجيش في العام 2017، يتركّز اهتمامه على الطبابة والاستشفاء، لذلك تُحوّل أكثرية المساعدات إلى تأمين الطبابة لجميع عناصر الجيش في الخدمة الفعلية والمتقاعدين وعائلاتهم. وعلى رغم الأزمة المالية – الإقتصادية التي أنهكت القطاع العام ومؤسسات الدولة وأجهزتها كلّها، الأمنية والمدنية، إلّا أنّ قيادة الجيش تمكنت من الاستمرار في تأمين الطبابة لعديدها بنسبة مئة في المئة، وهي المؤسسة الوحيدة التي تسدّد كلّ المستحقات المترتبة عليها للمستشفيات.

إلى ذلك، جال قائد الجيش على عدد من الدول طالباً مساعدة العناصر ودعمهم مالياً. فكان المؤتمر الافتراضي الدولي لدعم الجيش في حزيران 2021. وتُرجم لاحقاً بـ»المئة دولار» شهرياً لكلّ عنصر، إن من قطر أو الولايات المتحدة. ففي حزيران 2022، أعلنت قطر دعماً مالياً بقيمة 60 مليون دولار لدعم رواتب عناصر الجيش اللبناني. وبعدما تجاوزت الولايات المتحدة الأميركية العوائق القانونية التي تحظّر دفع مساعدات مالية مباشرة إلى جيش أجنبي، أعلنت في 25 كانون الثاني الماضي مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إطلاق برنامج دعم عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي بقيمة 72 مليون دولار على مدى ستّة أشهر، ويتضمّن دفع مبلغ بقيمة 100 دولار شهرياً لكلّ عسكري.

ومع بدء توزيع الدفعات المالية الأميركية للعسكريين توقفت الـ100 دولار من قطر، علماً أنّها مُقرّرة لسنة. وبعد انتهاء الدفعات المالية الأميركية في تشرين الثاني الماضي، استُؤنفت الدفعات القطرية التي تنتهي في آذار المقبل.

فهل تُمدّد المساعدة المالية الشهرية لعناصر الجيش، بعد التمديد لقائده؟ الأكيد بحسب مصادر على صلة بالدول المعنية بالشأن اللبناني، أنّ قرار الحفاظ على تماسك الجيش للحفاظ على الاستقرار في لبنان، لا يزال نفسه لدى الجهات كلّها. وبالتالي، لا يزال مبدأ دعم الجيش قائماً. لذلك، وإضافةً إلى الثقة في قيادة الجيش، تستمرّ المساعدات العسكرية المختلفة، كذلك التبرعات من الأفراد، وبالتالي «لا خوف» على تأمين الطبابة الشاملة في المدى المنظور. كذلك حصل الجيش على هبة من الوقود من «صندوق قطر للتنمية» لمدة 6 أشهر بقيمة 30 مليون دولار، ضمن اتفاق جرى نهاية آب الماضي، وتصل الدفعات تباعاً.

أمّا بالنسبة إلى الـ100 دولار التي تُوزّع مباشرةً وبالتساوي على العناصر، فبدأ الحديث «الثلاثي» بشأنها، بين المؤسسة العسكرية والدوحة وواشنطن. لا تأكيد حتى الآن، إذا كانت هذه المساعدة «ستُمدّد»، لكن هناك بحثاً في الموضوع إثر طلب من قيادة الجيش بأن تُستكمل إلى ما بعد آذار 2024. وإذ من المُرجح، إذا جرى التوصل إلى قرار بالتمديد لهذه المساعدة، أن تكون قطر هي الجهة المموِّلة، نظراً إلى أنّ هناك عوائق قانونية كثيرة أمام إقرار مساعدة مالية أميركية جديدة للجيش، يبقى الجميع في الداخل والخارج، معنياً بأن تبقى المؤسسة العسكرية صامدة.