11-مايو-2024

كتبت سلوى بعلبكي في” النهار”: حقق الذهب سعراً تاريخياً جديداً بعد وصوله الى نحو 2,150 دولاراً للأونصة الأسبوع الماضي، متجاوزاً المستوى القياسي التاريخي للتداول العالمي السابق المسجل في آب 2020 بعد بلوغه مستوى 2073، فيما يشير المحللون الى أن تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كان له دور مهم في دعم المعدن الأصفر، بيد أن العامل الأهم برأيهم هو تلميحات البنك الاحتياطي الفيديرالي بانتهاء مرحلة رفع الفائدة، إضافة الى لجوء المصارف المركزية العالمية الى شراء المعدن الأصفر بشراهة. وبناءً على ذلك تكون الدول ومصارفها المركزية ومعهما الأفراد قد كسبوا أرباحاً طائلة خلال أقل من سنة نتيجة خيارهم الصحيح حينها في اللجوء الى المعدن الأصفر. ومن بين الرابحين الكثير من اللبنانيين الذين لجأوا الى الذهب لحماية ليراتهم وبقايا دولاراتهم ومعهم ربح الاحتياط الذهبي الذي تملكه الدولة اللبنانية نحو ملياري دولار.يؤكد الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو، أن “الذهب وسندات الخزانة هما من أهم الملاذات الآمنة”، لافتاً الى “العلاقة العكسية بين سعر الفائدة الأميركية وسندات الخزانة والدولار الأميركي من جهة وأسعار الذهب من جهة أخرى، التي تستند إلى معدل العائد على سندات الخزانة. فعند رفع سعر الفائدة ترتفع عوائد السندات وكذلك العوائد على الإيداعات المصرفية. وتالياً يزداد الطلب على الدولار للاكتتاب في سندات الخزانة الأميركية أو لإيداعه في المصارف، طمعاً بالعوائد المرتفعة وبالأمان. لذلك، يقوم المستثمرون باستبدال الذهب بالدولار، فينخفض الطلب عليه في السوق، وتالياً ينخفض سعره، وهو ما لاحظناه في عام 2022 حين ارتفعت أسعار الفائدة الأميركية مرات عدة وانخفض معها سعر أونصة الذهب من 1,985 دولاراً للأونصة في آذار 2022 إلى 1,644 دولاراً في تشرين الأول 2022”.أما بالنسبة لعام 2024، فيتوقع أن “يشهد بطبيعة الحال تراجعاً في معدلات الفوائد، ولكن إذا ترافق هذا الانخفاض مع نمو اقتصادي إيجابي في الاقتصادات الكبرى وتفعيل للعجلة الاقتصادية حول العالم وتباطؤ سريع في نسب التضخم وبقاء معدلات الفوائد عند مستويات مرتفعة نسبياً رغم انخفاضها، فإن الذهب لن يكون ضمن أولويات المستثمرين لأن التوجه سيكون نحو العملات المشفرة والأسهم وغيرها من الاستثمارات ذات المخاطر المرتفعة. وما
شهدناه أخيراً من ارتفاعات كبيرة في أسعار الأسهم والعملات المشفرة، هو نتيجة عودة المستثمرين إلى المجازفة والمخاطرة طمعاً بالمكاسب السريعة، بما يؤثر سلباً على أسعار الذهب”. وتالياً يقول قانصو إننا “سنكون أمام عاملين قد يتصارعان، هما عامل النمو الاقتصادي العالمي والضاغط سلباً على أسعار الذهب، وعامل تراجع معدلات الفوائد المحفز لأسعار المعدن الأصفر، والغلبة طبعاً للأقوى”. وهذا ما دفع المحللين الى التأكيد أن “أسعار الذهب في طريقها للوصول إلى مستويات مرتفعة جديدة خلال العام المقبل وقد تبقى فوق مستويات ألفي دولار، مستشهدين بعدم اليقين الجيوسياسي والضعف المحتمل للدولار الأميركي والتخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة. فضلاً عن أن مستقبل توازن الاقتصاد العالمي لن يكون معتمداً على أميركا وحدها بسبب قوة الصين أو صعود قوى أخرى مثل الهند واستمرارهم المتوقع في عمليات شراء الذهب، مع توقعات بأن تصل أسعار الذهب إلى حدود 2,200 دولار في نهاية عام 2024.ماذا عن لبنان؟ هل أفاد من ارتفاع أسعار الذهب عالمياً؟ يملك لبنان نحو 286.8 طناً من الذهب، ويحتلّ المرتبة الثانية عربياً والمرتبة 20 عالمياً باحتياطيات المعدن النفيس، تقدر قيمتها اليوم، وفق أسعار الذهب الحالية، بنحو18.8 مليار دولار، ما يعني أن قيمتها ارتفعت بنحو 2 مليار دولار منذ بداية عام 2023. وتالياً، يرى قانصو أن “ذهب لبنان يبقى اليوم المظلة رغم اشتداد الأزمات، ويشكل الضمانة الأخيرة التي يمكن أن يعوّل عليها لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة، ولكن شرط عدم تبديده بغياب خطة تعافٍ واضحة وإصلاحات جوهرية. مع الإشارة إلى أن احتياطي ذهب لبنان يخضع لقانون النقد والتسليف بما يمنع المس به من دون قرار سياسي صادر عن مجلس النواب. ويحتفظ لبنان بثلث احتياطي الذهب في قلعة “فورت نوكس” الأميركية، فيما أبقى على الثلثين في خزائن المصرف المركزي في بيروت”. ويختم قانصو بالتأكيد أن “الذهب ليس إلا محطة نلجأ إليها في وقت الأزمات العصيبة، وعندما تنحسر المخاوف والضبابية في الأسواق وتتحسّن الأوضاع الماكرو اقتصادية حول العالم، لن يكون حينها الذهب ضمن اهتمامات المتداولين والمستثمرين وسيشهد بطبيعة الحال تراجعاً في أسعاره. وإذا عدنا الى الأعوام 15 الأخيرة، نرى أننا شهدنا تقلباً ملحوظاً في أسعار الذهب التي قاربت عتبة الـ2,000 دولار للأونصة أكثر من مرة”.