16-مايو-2024

كتب أنطوان فرح في الجمهورية:

هناك مجموعة من الأهداف للزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت الاسبوع الماضي، والتي انتهت ببيان تعدّدت القراءات في تفسير مضمونه، لكن الهدف الرئيسي للزيارة تمثّل في حسم البند المتعلّق بالخسائر والودائع، للبناء عليه في التعاطي مع الدولة اللبنانية في المستقبل.

منذ توقيع الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين في نيسان الماضي، وتعهّد الدولة بكل أركانها، بما فيها الرئاسات الثلاث، بتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه للوصول الى اتفاقية تمويل لخطة انقاذ مع الصندوق، برزت مسألة جوهرية تتعلق بتوزيع الخسائر، وملف الودائع، على انها نقطة مبهمة، تعمّدت «الدولة» ان تكون كذلك، لأنها لم تجرؤ على مكاشفة المواطنين بموافقتها على شطب القسم الاكبر من الودائع، بذريعة ان نجاح خطة التعافي صعب، اذا كانت هناك التزامات مالية كبيرة، مطلوب من الخزينة تسديدها.

المشكلة في هذا الملف، لا تقتصر على خطورة موافقة السلطة على مبدأ الشطب، بل تتمدّد الى مسألة محاولات التذاكي على المواطنين، وعلى صندوق النقد. وهكذا كانت الدولة تقول للناس ان اموالهم مؤمّنة، وانّ الودائع مقدسة، وان لا صحة لما يُقال في شأن شطب الودائع في الخطة التي وضعتها الحكومة. وفي المقابل، كان المسؤولون في الحكومة يخاطبون صندوق النقد بلغة التطمين الى انهم أقرّوا الخطة كما تم الاتفاق عليها، اي ضمان 100 الف دولار لكل المودعين، وشطب ما تبقى بوسائل متعددة.

هذه الازدواجية ومحاولات التذاكي، وبصَرف النظر عن انّ ضمان الـ100 الف دولار، من دون ان تَفي الدولة ومصرفها المركزي، بجزء من ديونها على الاقل، كانت مجرد وهم وتدجيل، إلّا أن الطامة الكبرى تكمن في استمرار التلاعب، وكأن ملفاً بهذا الحجم، يمكن أن يُنجز بكذبة من هنا، وتمويهٍ من هناك.

في هذه الاثناء، كان المسؤولون عن الملف اللبناني في صندوق النقد يتابعون عن كثب ما يجري على خطين: الخط الاول يتعلق بتنفيذ الدولة الاجراءات التي تعهدت بها، كممرات الزامية للوصول الى توقيع الاتفاق النهائي مع الصندوق، وقد تبيّن ان تنفيذ هذه الاجراءات لم يصل الى نسبة 20% مما هو مطلوب، وظل الكابيتال كونترول والانتظام المالي واعادة هيكلة المصارف مجرد مشاريع عالقة بين الحكومة والمجلس النيابي. والخط الثاني يتعلق بخطة التعافي، والتي تحولت الى لغز، بحيث انها كادت ان تضيع بين الحكومة والمجلس. السلطة التنفيذية تدّعي انها انجزت وارسلت الخطة الى المجلس للمناقشة، والسلطة التشريعية تدّعي انها لم تتلق اية خطة للنقاش.