22-نوفمبر-2024

كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:

يجلسُ السّبعيني نزار على أريكته أمام التلفاز ولكنّه لا يُتابع شيئاً، فالهمومُ كثيرة في باله، هو الذي عمل وكدَّ طوال حياته ليؤمِّن شيخوخة كريمة له، إلا أنّ فرحة التقاعد لم تدُم طويلاً، فتلاشَت الحسابات مع الأزمة التي أخذت معها تعويضه كلّه وحرمته من أبسط مقوّمات الحياة، خصوصاً وأنّ لا أولادَ لديه يُعيلونه ويهتمّون به.

أمنية العمّ نزار بسيطة، يختصرُها بكلمَتين فقط “الموت باكراً”، وهي أمنيةٌ تتكرّر على لسان الكثير من المُسنّين في لبنان الذين أصبحوا حملاً ثقيلاً على أولادهم. خسروا كلّ مدخّراتهم وسنّهم لا تسمحُ لهم بالعمل، أما ما يحتاجونه من طعامٍ ودواءٍ ومسكنٍ فبات يُكلّف الكثير. باختصار، باتت الشيخوخة همّاً كبيراً في لبنان، وحتّى الشباب بدورهم يعيشون خوفاً كبيراً من المُستقبل البعيد الذي ينتظرهم في بلدهم.

في الماضي القريب، وتحديداً في الـ2003، حَلِم اللبنانيّون ووُعدوا من قبل الطبقة الحاكمة بما سُمِّي بنظام التقاعد والحماية الاجتماعيّة، إلاّ أنّ السنوات والمماطلة طيّرا هذا النظام وجاءت الأزمة الاقتصاديّة لتقضي على كلّ الآمال التي عُقِدت، وعلى كلّ حُلمٍ بشيخوخة مُحترمة في لبنان.

لم تسحق الأزمة الأحلام والآمال فقط، بل طيَّرت مُدخّرات المواطنين الذين عملوا لعقودٍ طويلة، أما معاشات التقاعد وتعويضات الضّمان الاجتماعي فلم تعُد تساوي أيّ شيء، وقد تأثّر بشكلٍ كبيرٍ متقاعدو القطاع العام، بالإضافة الى مُغتربين كُثرٍ دفعوا الثمن غالياً، بعدما كانوا يرسلون كلّ مدخّراتهم الى مصارف لبنان للعودة إليه والتقاعد فيه، وهنا كانت الصّدمة الكبير بالنسبة لهؤلاء.

يُكلِّفُ المسنّ في لبنان بين مسكنٍ وطعامٍ وطبابةٍ أقلّه مبلغ 500 دولار في الشّهر، وهو رقمٌ كبيرٌ لا يستطيع هؤلاء تأمينه، أمّا الدّولة فغائبة تماماً عن هذه الفئة العمريّة، حتّى أنّ مؤسّسات الرعاية المُختصّة بالمُسنّين تأثّرت بالأزمة بشكلٍ كبيرٍ وباتت تطلب مبالغ كبيرة للاهتمام بهم ما يُشكّل ضغطاً إضافيّاً على أولادهم إن وُجدوا.

هذه هي حالة مُسنّي لبنان، أجيالٌ سلَّمت لنا الحياة والأمانة، إلاّ أنَّ الوطن لم يكُن حليفاً لها، أمّا الموت فأصبح يتربّص بباب كلّ مسنّ قبل موعده. في بلد الحروب والأزمات المتتالية، أصبحت حياة شعب بأكمله قصيرة جدّاً، عفواً نقصدُ “ما يُشبه الحياة”…