12-مايو-2024

بقلم كارول هاشمية

لامس انفجار 4 آب حياة كل إنسان يعيش في المدينة. وكان تأثير ما حصل عميقا وكانت لتلك اللحظات ارتدادات مادية قاسية ونفسية بعيدة الأمد
وفي حين فقد بعضهم أفرادا من أسرهم، رأى آخرون ذويهم مضرجين بالدماء وفي حالات خطيرة. وحتى تلك الحالات التي نجا أصحابها من الدم والدمار بدا مستحيلا شفائهم بسهولة من آثار صوت الإنفجار ونتائجه المدمرة في أحيائهم- و لا يزال هذا اليوم حاضراً في المكان وفي الذاكرة وعلى أجساد كثيرين يعانون من ذكراه و ينحسب هذا الحضور على الجسد المعماري أيضًا، حيث توجد أجساد معمارية كثيرة لم ترمّم جروحها بعد، تنتظر من ينفّذ وعودها لها.

بعد ثلاثة أعوام لا يزال الوضع كما هو….

بعد مرور ٣ أعوام على الانفجار الذي دمّر المرفأ، وألحق أضرارا بأكثر من نصف المدينة،
لم يُحمَّل أحد بتاتًا المسؤولية عن المأساة التي وقعت في 4 آب 2020.
لأننا نعيش في بلد تحتكر فيه الحكومة العدالة ، أمراء الحرب (الرؤساء السابقون للميليشيات المتورطة في الحرب الأهلية ، الذين تحولوا إلى قادة حزبيين) ، يبذلون قصارى جهدهم لإبطاء التحقيق وإيقافه.

تُظهر الأدلة بشكل كاسح أن انفجار آب 2020 في مرفأ بيروت نتج عن أفعال كبار المسؤولين اللبنانيين وتقصيرهم، إذ لم يبلّغوا بدقة عن المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم، وخزّنوا المواد عن سابق علم في ظروف غير آمنة، وتقاعسوا عن حماية الناس.
إنه لأمر محزن ، ولكن هكذا هو الحال ، نحن نعيش في بلد يسوده الفوضى حيث يسود الظلم…
ولم تكتف هذه الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة بتعطيل التحقيق بل تصرّ على طمس الأدلة

منذ 23 ديسمبر/كانون الأول 2021، عُلّق التحقيق المحلي في الانفجار إثر سلسلة من الطعون القانونية التي قدّمها سياسيون متهمون بجرائم متصلة بالانفجار ضد القاضي طارق بيطار، في هذا السياق ، قدم السياسيون أكثر من 25 طلبا لإقالة بيطار وقضاة آخرين معنيين بالقضية، متسببين بتعليق التحقيق أكثر من مرة إلى حين البت في الطلبات
و رغم ذلك أعلن المحقق العدلي طارق بيطار استئناف تحقيقاته متحدياً الضغوط السياسية والقضائية مع وجود عشرات الدعاوى المرفوعة ضده والمطالبة بعزله والتي علّقت عمله لمدة 13 شهراً. لكن النيابة العامة سرعان ما رفضت قراره وادعت بدورها عليه بتهمة “التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”، ما أنذر بأزمة قضائية غير مسبوقة، اذ أحبط مدعي عام التمييز اللبناني غسان عويدات محاولة بيطار استئناف التحقيق، الذي وجّه الأخير إليه الاتهام في قضية انفجار بيروت واستدعاه إلى التحقيق. رفع عويدات دعوى قضائية ضد بيطار، ما أوقف التحقيق، وأُمر بالإفراج عن جميع المشتبه بهم في القضية، البالغ عددهم 17.
ومنذ ذلك الحين، دخل ملف التحقيق في غياهب النسيان، وابتعد بيطار عن أروقة قصر العدل
إذ دخل التحقيق في فصل جديد من معركة قضائية غير مسبوقة، فتعطل عمل المحقق العدلي حتى إشعار آخر
وتراجع الأمل في الوصول إلى الحقيقة جراء الضغوط السياسية والقضائية الغير مسبوقة التي عرقلت التحقيق منذ انطلاقه

بعد مرور ثلاثة أعوام ، ما زالت جراح ذلك اليوم المدمر محفورة في المدينة بينما تنتظر عائلات الضحايا الإجابات
انفجار ٤ آب….لن نسامح….. لن ننسى