ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإحتفالي في كنيسة مار نهرا في بقرقاشا لمناسبة تكريس مزار القديس البابا يوحنا بولس الثاني، عاونه النائب البطريركي على الجبة المطران جوزيف النفاع وكاهن الرعية الخوري طوني صوما والخوري شربل عواد، بمشاركة امين الديوان الخوري خليل عرب والقيم البطريركي الخوري طوني الآغا وأمين السر البطريركي الاب هادي ضو والخوري خليل البطي، في حضور النواب: ستريدا جعجع ممثلة بالسيد رومانوس الشعار، وليام طوق وكميل شمعون، النائب السابق جوزيف إسحق، رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري ايلي مخلوف، رئيس بلدية بزعون رامي بو فراعة، المحامي روي عيسى الخوري، رئيس بلدية بقرقاشا جورج البطي وأعضاء المجلس البلدي والمخاتير، رؤساء وأعضاء المجالس الرعوية والجمعيات، وحشد من المؤمنين.
بعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “الحصاد كثير، والفعلة قليلون. أُطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده” (لو 10: 2)”، قال فيها: “إتّخذ الربّ يسوع صورة الحصاد من عالم الزراعة للدلالة على حاجة الناس إلى كلمة الإنجيل التي تفتح عقولهم وقلوبهم لهذ الكلمة الإنجيليّة الحاملة نعمة الخلاص. الناس مثل سهول القمح البالغة، ويحتاجون إلى حصّادين رعاة يجمعونهم ويثمّرون مواهبهم وإمكاناتهم. فمن أجل هذه الغاية إختار الربّ يسوع من بين التلاميذ، الذين تبعوه في تجواله وتعليمه، إثنين وسبعين، وأرسلهم ليعدّوا له سكّان المدن والقرى التي كان مزمعًا أن يذهب إليها. وحدّد لهم الأهداف الثلاثة في رسالتهم. وهي: إعلان سرّ المسيح لجميع الناس، وإعدادهم للقاء الشخصيّ مع يسوع، ونشر سلام المسيح في كلّ مدينة وموضع. الإثنان والسبعون أصبحوا اليوم كلّ الشعب المسيحيّ الحامل هذه الرسالة بتوجيهٍ من رعاة الكنيسة، مع موآزرة الكهنة معاونيهم، والرهبان والراهبات المكرّسين لهذه الغاية. أمام حاجات العالم اليوم، الشبيه “بالحصاد الكثير”، نطلب من الله أن يرسل لكنيسته أمثال الإثنين والسبعين يندفعون للرسالة مثلهم بقوّة حبّهم للمسيح فادي الإنسان ومخلّص العالم. يسعدنا وسيادة أخينا المطران جوزف نفّاع، نائبنا البطريركيّ العام في منطقة الجبّة، أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة، بمناسبة تكريس مزار القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني، على مدخل البلدة، في ذكرى مرور خمس وعشرين سنة على زيارته الرسوليّة للبنان وإصداره الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان”، وتوقيعه في بيروت بتاريخ 10 أيّار 1997. وهو إرشاد ضمّنه كلّ مكنونات عقله وقلبه بشأن لبنان ومكوّناته ورسالته وقد قال عنه إنّه “أكثر من بلد، هو نموذج ورسالة للشرق كما للغرب”.
وتابع: “أودّ أن أعرب باسمكم وباسمنا عن الشكر العميق لإبن بلدة بقرقاشا العزيزة السيّد المغترب مطانيوس جرجس تامر، الذي لم يتمكّن من الحضور لدواعٍ صحيّة. فانتدب إبنه عزيزنا جورج. فنرحّب به ونحمّله لوالده ولكلّ أفراد العائلة محبّتنا وتقديرنا وجزيل شكرنا. ونسأل الله، بشفاعة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني أن يفيض عليهم وعلى رعيّة بقرقاشا خيوره وبركاته. ونوجّه تحيّةً إكبار للنحات نايف علوان على إنجاز تمثال البابا القدّيس بكامل قامته حاملاً لبنان الأرزة ومقدمًا لنا الإرشاد الرسوليّ داعيًا ايانا للرجاء وعدم القنوط. شكرًا للبابا يوحنا بولس الثاني لانه معنا يبارك كل مارّ من هنا ذهابًا وايابًا. تفاخر بقرقاشا العزيزة بأن يكون القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني شفيعها الجديد إلى جانب شفيعها مار نوهرا وشفعاء آخرين فنجد فيها: كنيسة أثريّة على إسم السيّدة العذراء تعود إلى سنة 1810 وقد رُمّمت سنة 2019، ومحابس مار سمعان الأثرية (١١١٢) حيث وجد اقدم كتاب للقراءات الليتورجية، ومغارة القديسة تقلا الأثرية، ومزار مار يوحنا المعمدان، وكنيسة مار جرجس القريبة من محابس مار سمعان، وقد كانت كرسي الاسقف في الماضي البعيد. نتمنّى أن يتعرّف أهالي بقرقاشا جيلًا بعد جيل على شخصيّة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني وروحانيّته، ويجعلوا من الإرشاد الرسوليّ برنامج حياة بتوجيه من رعاة الكنيسة.
وأردف قائلا: بالعودة إلى الإنجيل، يتأكّد لنا أن الإرسال الإلهيّ متواصل جيلًا بعد جيل حتى بلغ إلينا. كلّنا مرسلون مثل التلاميذ الإثنين والسبعين والرسل الإثني عشر. كلّنا مرسلون بحكم المعموديّة والميرون، وبعض منّا أيضًا بحكم الدرجة المقدّسة كالأساقفة والكهنة والشمامسة، والبعض الآخر بالنذور الرهبانيّة، كالرهبان والراهبات.
هذا يعني أنّ رسالة الكنيسة ليست محصورة بالإكليروس، أساقفة وكهنة وشمامسة ورهبانًا وراهبات، بل هي مناطة أيضًا بالعلمانيّين المؤمنين المسيحيين الملتزمين، سواء في لبنان أم في الخارج. الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” يدعو أبناء الكنيسة، إكليروسًا وعلمانيّين، للقيام بالرسالة لدى مسيحيّي الشرق الأوسط كما في إيران والسودان وأفريقيا الشماليّة (عدد 82)، ولدى اللبنانيّن المنتشرين في مختلف بلدان العالم لمساعدتهم روحيًّا ومعنويًّا، وللعمل المشترك مع الكنائس المحليّة الأخرى. كما يدعوهم للعمل المسكونيّ، الرامي إلى وحدة المسيحيّين الكاملة، مع الكنائس الأرثوذكسيّة والبروتستنتيّة روحيًّا واجتماعيًّا وراعويًّا، بغية الحفاظ على شركة الإيمان والمحبّة (عدد 85-87)، وللحوار مع الأديان من أجل التعاون في إنماء الإنسان والمجتمع، ومن أجل قيام عيش مشترك سليم وبنّاء على مستوى الحياة والثقافة والسياسة (عدد 89-93)”.
وأضاف: “ما احوجنا اليوم الى قراءة هذا الارشاد، لنعرف اين هو مكاننا اليوم في هذا الواقع الذي نعيشه، وما هو دورنا كمسيحيين ولماذا نحن هنا. وما هو دور المسؤولين السياسيين. لا يمكننا العيش كيفما كان. فالارشاد الرسولي يضعنا امام مسؤوليتنا التاريخية والوجودية. فليدرك كلّ الذين يتعاطون الشان العام، الذي يعني العمل السياسي، أنّهم هم أيضًا، وعلى الأخصّ، أصحاب رسالة رفيعة الشأن لكونها تخدم الخير العام، وتؤمّن الحقوق والواجبات لكلّ مواطن ومواطنة، وتضمن نموّهم الشامل ونموّ المجتمع، من خلال تنظيم الدولة ومؤسّساتها الدستوريّة والإداريّة والقضائية. ومن المؤسف القول إنّ الذين بلغ إليهم هذا الفنّ الشريف – السياسة- انهم بغالبيتهم يدمّرونه بغالبيتهم من دون أي رادع ضمير، أو حياء بشريّ من الرأي العام الداخليّ والخارجيّ، أو مخافة الله الديّان العادل”.
وتابع: “نسألهم: لماذا أيّها المسؤولون تفتعلون العقد، وتبحثون عن حلّها خلافًا للدستور؟ وتعتبرون عقدكم ومخالفاتكم الدستوريّة “ضرورة”؟ فتجعلون المجلس النيابيّ غير الإشتراعيّ هيئة تشريعيّة فيما هو منذ بداية الفراغ في سدّة الرئاسة مجرّد هيئة ناخبة؟ وتعطون حكومة تصريف الأعمال صلاحيّة رئيس الجمهوريّة في التعيينات المحفوظة له؟ وإن لم تفعلوا تهدّمت المؤسّسات وكأنّها من كرتون! وهكذا تفتعلون نزاعًا دستوريًّا يضاف إلى الإنقسام السياسيّ القائم. ”حرام لبنان !“ لبنان الذي باركه البابا يوحنا بولس، ونحن اليوم نخلد ذكراه. ليس هكذا يفكّر البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان، وليس هذا هو لبنان الذي يريده البابا القديس. فيا أيّها السادة في المجلس النيابيّ والحكومة، إنّ الضرورة الأولى والأخيرة ومفتاح حلّ كلّ عقدكم هما في انتخاب رئيس للجمهوريّة. وإن لم تفعلوا، فإنكم تقترفون جريمة الخيانة العظمى بحقّ الدولة والشعب، والخيانة هي أمّ كلّ الجرائم”.
وتوجه الى النواب: “يوجد لديكم مرشّحان مارونيّان محترمان لرئاسة الجمهوريّة، فادخلوا المجلس النيابيّ وانتخبوا واحدًا منهما رئيسًا وفقًا للدستور الذي ينصّ في مقدّمته على أنّ “لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة” (ج). فإذا لم يُتنخب أحد منهما بعد 3 دورات متتالية على الأقلّ، فاحترامًا لكرامتهما، عندئذ تتحاورون لإيجاد مرشح ثالث غيرهما. ويكفيكم إضاعة الوقت والمؤسّسات تتساقط الواحدة تلو الأخرى بانتظار الإلهام من الخارج كقاصرين. هذا الكلام يمليه علينا البابا يوحنا بولس الثاني”.
وختم الراعي: “فلنصلِّ إلى الله بشفاعة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني، كي يهزّ ضمائر السياسيّين فيدركوا حجم الأضرار التي تقع على رؤوسهم، ويساعد الشعب على الصمود بإيمانه وبحبّه للبنان وطنه الغالي. ونرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وكان الراعي كرس قبل القداس مزار وتمثال البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي قدمه ابن البلدة المغترب مطانيوس جرجس تامر ونحته الفنان نايف علوان عند مدخل البلدة حيث اعد له استقبال حاشد، وبعد إزاحة الستارة عن التمثال ورتبة التكريم ورش المياه المقدسة ألقى الشاعر حبيب بو أنطون قصيدة شعرية نوه فيها بمواقف البطريرك وبصمود ابناء جبة بشري وعطاء المغتربين وتعلقهم بوطنهم.
وسار البطريرك والمشاركون على وقع موسيقى فرقة مار دانيال وسط نثر الورود من مدخل البلدة الى كنيسة مار نوهرا حيث ترأس القداس الإحتفالي الذي استهل بكلمة للخوري طوني صوما رحب فيها بالبطريرك في بقرقاشا، مثنيا على مواقفه الوطنية طالبا بركته الابوية لأبناء البلدة والقضاء.