كتبت إيسامار لطيف في موقع mtv:
لم تعد تُخفى على أحد أزمة المستشفيات المترديّة على الأصعدة كافة، بدءًا من هجرة الأطباء والممرضين وصولاً إلى ارتفاع تكاليف العلاج والأدويّة، وسط غياب دور وزارة الصحة العاجزة أساساً. هذه المعلومات كلّها واضحة للعيان ولا ريب فيها، وإن كان الحديث عن القطاع الاستشفائيّ الذي عانى الكثير خلال السنوات الماضية وحارب حتّى الرمق الأخير. ولكن، هذا لا يعني أن يتجرّد إدارات المستشفيات وأطباؤها من الإنسانيّة، ويتحوّلون إلى “روبوتات” ماديّة، إذْ لهذه التجاوزات المعيبة أمثلة حيّة من المجتمع اللبنانيّ تُثير التساؤلات حول انعدام الرحمة أو الشفقة من قلوب بعض الأطباء في ظلّ معرفة الجهات المعنيّة… وهنا الكارثة!
“ما معك مصاري؟ ما تتحكّم”، كنّا نتناقل هذه العبارة على أنّها “مزحة” في البداية… وقتها لم نكن نعلم أنّها ستتحوّل إلى حقيقة موجهة ومبكيّة تصادفنا على أبواب الطوارئ وأمام مداخل المستشفيات، وللأسف الأطفال هم الضحيّة هذه المرّة.
من نحو أسبوعين، تلقينا سلسلة اتّصالات من قبل مواطنين تعرّضوا إلى مواقف “مهينة” في المستشفيات، لا سيّما الحكوميّة منها. ومن بين كلّ تلك الشكاوى، استوقفتنا إحدى الأمهات، وهي مطلقة وتعيش بمفردها مع طفلها المصاب بمتلازمة “الداون”، الذي اكتشفت إصابته أخيراً بالسرطان. لن ندخل بمأساة هذه السيّدة ومعاناتها التي يبدو أنّها ستطول مع المرض الخبيث، إذْ المدهش كان ردّ الطبيب المعالج عليها، الذي قال لها حرفياً: “هيك هيك ما في أمل ووضعو ما بيسمح نتدخل جراحياً، خلليّنا نجرّب طرق أخرى بس بتكلّف والدفع كاش ومسبق، إذا ما بتقدري تغطّي التكاليف… جربي حظك بالمستشفيات الحكوميّة”.
تروي السيّدة التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها، لموقع mtv، ما حصل معها، قائلةً: “بالكاد أؤمن لطفلي ثمن أدويته الشهرية التي تتجاوز الـ200$، هذا طبعاً من دون ذكر ثمن التحاليل والفحوصات الشهريّة وأحياناً الأسبوعيّة، وراتبي لا يكفيني لتسديد إيجار المنزل، فهل المطلوب أن أترك وحيدي يموت رويداً رويداً أمام عيني وكأنّني لم أنجبه؟”.
في الأسبوع نفسه، ضجّ الـ”فايسبوك” بمنشور يعود لشاب يُدعى علي غندور، وهو أبّ لطفلتين، إحداهما حديثة الولادة، يشكو فيه كيف اشترط عليه أحد المستشفيات تسديد مبلغ 1500$ قبل إدخاله طفلته إلى الطوارئ أو معاينتها طبياً حتّى.
يكشف الأب في سياق كلامه مع موقع mtv أن “مستشفى الساحل رفض معاينة طفلته (9 أيّام) التي كانت تبكي من وجعها نتيجة ارتفاع معدل الصفيرة لديها، قبل تأمين المبلغ المطلوب بالكامل”، مشيراً إلى أنّه “بعد جهد واتّصالات عدّة، تمكنت العائلة من تأمين سرير للصغيرة في مستشفى الرسول الأعظم، ليتصل بهم الطبيب من “الساحل”، قائلاً: “إذا معك 300$ بفوتلك ياهاالليلة”!
“الحمدلله ابنتي تتحسّن، ولكن تعامل المستشفيات الماديّ قد يُكلّف المريض حياته وهذا ما دفعني إلى نشر قصتي لعلّ الجهات المسؤولة تتحرّك”، يقول علي.
حتّى الساعة، لم يصدر أيّ توضيح عن وزارة الصحة، في حين تلفت مصادر متابعة إلى أن “الوزير فراس الأبيض على عِلم بكل ما يحصل في المستشفيات، ولكن إمكانيات الوزارة خصوصاً والدولة عموماً محدودة، والحلّ الوحيد تقديم شكوى رسميّة ليُفتح تحقيق بالأمر وبعدها يُحاسب كلّ مَن تثبت إدانته”.
الوعود والشعارات “الشعبوية” لم تعد تكفي، والمطلوب هذه المرّة بسيط جداً… الرحمة!