كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
تواجه وزارة الخارجية اللبنانية عدداً من الدعاوى القضائية، تقدّم بها موظفون في بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، على خلفية قرارات «صرف تعسفي» اتخذتها الوزارة، حرمتهم عبرها من مصدر رزقهم، لا سيما أن معظمهم أمضى في البعثة ما يزيد على ثلاثة عقود في الوظيفة.
وزارة الخارجية عزت الأسباب إلى «التقشّف وتخفيف النفقات المالية للبعثات اللبنانية في الخارج»، وبدا لافتاً أن قراراتها لم تؤدّ إلى تطيير موظفين فحسب، بل إلى إلغاء وظائفهم برمتها، وذلك عبر تعاميم أصدرها وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، فيما وصف مقدمو الدعاوى هذا التدبير بـ«الجائر والانتقامي، واستهدف الحلقة الأضعف في البعثة». وأكدت الدعاوى التي تسلّمت «الشرق الأوسط» نسخاً منها أن «مبررات صرفهم وإلغاء وظائفهم غير مقنعة لا سيما أن قرارات الصرف التعسّفي جاءت انتقاماً من موظفين تجرّأوا على ممارسة حقهم باللجوء إلى القضاء، وتقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة، طالبوا فيه بإبطال تعميم سابق لوزير الخارجية قضى بإلغاء درجات تدرّجهم التي اكتسبوها طوال سنوات خدمتهم، وهو ما ألحق ضرراً كبيراً بهم وبعائلاتهم، وأدى إلى تخفيض رواتبهم إلى ما يقارب الـ40 بالمائة».
الدعاوى التي باتت قيد النظر أمام مجلس الشورى ردّت على الذرائع التي استند إليها وزير الخارجية، وأظهرت أن «الصرف طال من هم متزوجون من موظفين، أي استهدف صرف الزوجة الموظفة التي يعمل زوجها في نفس البعثة»، إلّا أن هذا القرار لم يشمل جميع المتزوجين من موظفين، فهناك موظفون أزواج ما زالوا في وظائفهم سواء في بعثة نيويورك أو سواها». وشددوا على أن قرارات الصرف من الخدمة «جاءت مشوبة بالعيوب القانونية، وتجاوزت حدّ السلطة الممنوحة للوزير، على أساس أن قرار وضع ملاك الموظفين في البعثات الخارجية هو من القرارات التنظيمية، وبالتالي فإن تعديل هذا الملاك أو إلغاء وظائف فيه هو قرار تنظيمي، لا يمكن اتخاذه قبل استشارة مجلس شورى الدولة». وأكدوا أن «القرار الصادر عن أمين عام وزارة الخارجية والمغتربين (هاني شميطلي) الذي وافق فيه على إلغاء الوظائف في ملاك بعثة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة في نيويورك، لم تتم فيه استشارة مجلس شورى الدولة، كما تفرض المادة 57 من نظام المجلس، ما يعني أن القرار اتخذ خلافاً للأسباب الجوهرية التي ترعى قرارات صرف الموظفين وإلغاء الوظائف، حيث إن المادة 24 من نظام الموظفين، ذكّرت بالشروط التي تحدد صرف الموظفين من الخدمة وهي: أولاً بلوغ الموظف سنّ التقاعد، ثانياً عدم الكفاءة المسلكية، وثالثاً الإخلال الفادح بأحد واجباته المسلكية، ولم تأت هذه المادة على ذكر (إلغاء وظيفة) من ضمن الحالات التي يجري فيها الصرف من الخدمة».
وتلحق قرارات وزير الخارجية وأمين عام الوزارة، ظلماً كبيراً بالمستهدفين بها، على حدّ تعبير مقدمي المراجعات القضائية، الذين استندوا إلى المادة 70 من نظام الموظفين، التي جاء فيها: «إذا ألغيت وظيفة في الملاك، وحذفت الاعتمادات المخصصة لها في الموازنة، ينقل الموظف الذي كان يشغلها إلى وظيفة شاغرة أخرى في سلكه ورتبته وراتبه في الإدارة التي ينتسب إليها أو في إدارة أخرى، على أن تتوافر فيه شروط التعيين». واستشهد هؤلاء بكافة أنظمة الموظفين التي تبيّن أن «إنهاء خدمة الموظف الناجم عن إلغاء الوظيفة هو ذو طابع استثنائي؛ لأن الإدارة تباشر أولاً بنقل الموظف دون المسّ بوضعه الوظيفي وحقوقه المكتسبة، خصوصاً في ما يتعلق بالرتبة، وإن فعلت يكون ذلك اضطرارياً وبالحدّ الأدنى، وتبقى الإدارة خاضعة في كلّ أعمالها لرقابة القضاء للتأكد من جدية وضرورة الإجراء الذي اتخذته، الذي تنعكس آثاره السلبية على الموظف، فإذا كان إلغاء الوظيفة له طابعه الصوري والوهمي، قضى حتماً بإبطال التدابير المتخذة من أساسها»، مؤكدين أن «القرارات المطعون بها اتخذت بخلاف الغاية التي من أجلها خوّل القانون السلطة المختصة باتخاذها، وأن الانحراف باستعمال السلطة والعيب الذي يعتري نيّة أصحاب القرارات، من الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى إبطال هذه القرارات».
وما حدث مع المدعين (وفق ما ورد في الدعاوى) «يمثّل النموذج الواضح والثابت عن الانحراف في استعمال السلطة، وتتوافر فيه الأدلة القاطعة على أن إلغاء وظائف من ملاك بعثة لبنان الدائمة في نيويورك، جرى بهدف التخلص من الموظفين للأسباب المشار إليها أعلاه». وأرفقت الدعاوى بتسجيلات صوتيّة لأمين عام وزارة الخارجية يتحدّث فيها بوضوح عن الدافع الانتقامي لقرارات الصرف التعسّفي وإلغاء الوظائف العائدة لهم.
وخلصت الدعاوى التي قدّمها المحامي هشام شبيب بوكالته عن المدعين، إلى الطلب من مجلس شورى الدولة «قبول المراجعة بالشكل لكونها مستوفية الشروط الشكلية المفروضة قانوناً، وقبولها بالأساس، والحكم بإبطال القرارات المطعون فيها لتجاوزها حدّ السلطة ومخالفة القانون والأنظمة والأصول الجوهرية، ولاتخاذها لغاية غير الغاية التي من أجلها خوّل القانون السلطة المختصة، وتضمين الجهة المدعى عليها الرسوم والمصاريف القانونية».