22-نوفمبر-2024

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”: 

يكشف التمادي في الانتهاكات التي تتعرّض لها الأملاك العامة في الجنوب ومساحات واسعة من الضاحية والبقاع أنّ الاعتداء على الدولة لا يقتصر فقط على السيطرة الاستراتيجية لـ»حزب الله» على القرار الاستراتيجي وعلى السلم والحرب فحسب، بل يمتدّ عميقاً إلى كلّ جوانب الحياة حيث أصبحت «دولة الحزب» أمراً واقعاً يستحيل إصلاحه نظراً لاتساع دوائر السيطرة وشمولها كلّ جوانب الاجتماع والاقتصاد والتربية والإعلام.

ما يحصل فعلياً هو فرض السيطرة على مساحات كبيرة من مشاعات الدولة في مناطق الدويلة، بل والذهاب نحو تشريعها بوسائل ملتوية بالتوازي مع تعطيل مفاعيل وجود مؤسسات الدولة الأمنية والإدارية، حتّى أصبحت المخافر لزوم ما لا يلزم، وبات وزير الداخلية بسام مولوي يناضل لتأمين جرافة من جبل لبنان لتزيل مخالفة في الجنوب، والأخطر من ذلك تواطؤ البلديات المحكومة بنفوذ الثنائي الشيعي في ترسيخ الاغتصاب المتواصل لأملاك الدولة.

وساهم وجود وزارة المالية في قبضة «الثنائي الشيعي» في التلاعب بمصير المشاعات من خلال قرارات تتيح لها التحكم بأوضاعها في مناطق تقع خارج نفوذ «الثنائي» وباتت تهدِّد وضعية عدد من المناطق المسيحية الحساسة، هذا فضلاً عن استخدام الخلاف على المشاعات وسيلة للاعتداء الأمني والسياسي كما هو حاصل في لاسا وعدد آخر من المواقع.

هذا النموذج الذي يمتدّ إلى خطوط التهريب في التجارة ويضرب فرص المنافسة الشريفة مع تجار بقية المناطق، بالإضافة إلى ما هو معروف من الاكتفاء المصرفي من خلال «القرض الحسن»، يحقّق المثل القائل إنّ الصيت بالتقسيم الفعلي لبعض القوى المسيحية والفعل للثنائي الشيعي، مع التذكير بأنّ ذروة هذا الانفصام تكمن في جيش المائة ألف مقاتل ومئات آلاف الصواريخ وانخراط «حزب الله» في حروب دفع لبنان الدولة والشعب فيها أثماناً قاتلة.

مناسبة هذه المقدّمة هي أنّ القوى السيادية تقف اليوم أمام فرصة لطرح تسوية متكاملة ليس في رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة فقط، بل أيضاً باستكمال تطبيق اتفاق الطائف والذهاب نحو اللامركزية الإدارية، وفي ضوء المتغيرات التي حصلت منذ توقيع الاتفاق حتى اليوم، يجب إضافة اللامركزية المالية.

يؤكِّد الواقع أنّه لا يمكن فرض القانون واستعادة الحقوق العامة والخاصة التي اغتُصبت في مناطق سيطرة الثنائي الشيعي، ومرحلة ما بعد حرب تموز 2006 خير شاهد على ذلك، إذ عندما اشترطت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إبراز الأوراق الثبوتية القانونية للعقارات التي تحتاج إلى إعادة إعمار، تعرّض الرجل لحملة سياسية وشخصية وتخوين انتهت بإقرار الانتهاكات للأملاك العامة والخاصة.

واليوم، ليس هناك فرصة حقيقية لاستعادة الحق العام في مناطق سيطرة الثنائي، وليس هناك إمكانية لإعادة اندماج مجتمع «حزب الله» على الأقل في المجتمع اللبناني لأنّه مرتبط بشكل كامل بمرجعيته الإيرانية عقيدة ومعاملات وطريقة حياة.

وفي حال جرى العمل على تسوية سياسية، رئاسية وحكومية فقط، فإنّ الدولة المركزية لن تتعافى من هيمنة الثنائي وستبقى، كما هي الآن، وسيلة لإطباق الهيمنة على سائر اللبنانيين من خلال أجهزة الدولة الأمنية والقضائية والمالية، وستبقى سائر المناطق محرومة من حقوقها الطبيعية، وخاصة في القضايا الاستراتيجية مثل مطار الرئيس رينيه معوض وتوسيع مرفأ طرابلس أو مطار حامات، هذا فضلاً عن استمرار غياب العدالة الإنمائية. ليس من العدل في شيء أن تلتزم فئة من اللبنانيين بالقانون وتدفع الضرائب وتمارس التجارة تحت سقف القانون، وتقوم فئة أخرى بالامتناع عن هذه الواجبات وتتحكّم بقرار وحصص المناطق وحقوقها في الإنماء المعطل منذ عقود.

لذلك، أصبحت اللامركزية الإدارية والمالية مطلباً وطنياً، وليس صحيحاً أنّه إذا طرحها طرف سياسي مسيحي تصبح خياراً غير وطني، أياً كان هذا الطرف، «فلا يجرمنكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا»… والعدالة توجب أن تنال كلّ منطقة حصتها ونصيبها من المال والخدمات من دون أن تكون مرهونة لتسلّط فئة لا تقيم للقانون وزناً ولا للشراكة اعتباراً.

إنّ طرح اللامركزية الإدارية والمالية هو المناسب وفترة تأجيل الانتخابات البلدية فرصة لطرح إصلاحات جذرية تسهم في إرساء الاستقرار في الحياة العامة، حتى لا يصل اليائسون من التعايش مع الدويلة إلى طروحات الفدرالية وما بعدها.