كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:
مع انقضاء عطلة الفصح لدى المسيحيين وشهر رمضان وعيد الفطر لدى المسلمين، عاد أهالي شهداء مرفأ بيروت عن صمتهم الموقّت، محاولين فكّ «صوم» القضاء المزمن عن البتّ في قضيتهم ودحرجة «الحجر» السياسي عن باب الحقيقة والعدالة. لن يسمحوا بدفن ضحاياهم، مرّة في الإنفجار ومرّات في قبور السلطة. كم من ملفات إنسانية مثقلة بالدموع والأوجاع، طويت في سراديب المنظومة الحاكمة الهالكة والقابضة على الأرواح؟ إذ أثبت التاريخ في لبنان أنّ الحق لا يموت إلا إذا كانت الدولة وراءه. استطراداً ألم تترك أمهات المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية إلى مصيرهنّ وموتهنّ في حرقة قلوبهنّ؟
«مش رح نزهق». تحت هذا الشعار تحرّك عدد من أهالي شهداء فوج الإطفاء باتجاهين: الأوّل نحو قصر العدل رافعين صور أبنائهم، لعلّها تحرّك ما تبقّى من ضمائر حيّة تبعث الملف من ثباته، وإطلاق يد قاضي التحقيق طارق البيطار. والثاني باتجاه نقابة المحامين في بيروت.
في العدلية، التقى وفد الأهالي رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سُهيل عبّود. لا وعود جازمة أو حاسمة في حلحلة القضية وانطلاق قطارها. ما يعني أنّ الملف لا يزال في دائرة الصراع القضائي الداخلي من جهة، ومقاومته في سبيل تحقيق سيادته واستقلاليته عن تدخّلات السلطة السياسية من جهة أخرى. رغم ذلك، يعوّل المحامي رالف طنّوس على القضاء اللبناني، داعياً مجلس القضاء الأعلى إلى حلّ الإشكالية القانونية العالقة بين النيابة العامة التمييزيّة والقاضي طارق البيطار بشكل سريع، كي يتمكّن الأخير من إنجاز مهمّته واستكمال تحقيقاته، على أن تجري بعدها النيابة العامة مطالعتها القانونية تمهيداً لإصدار القرار الظنّي. بدل رميها في المتاهات الحكومية والتعيينات القضائية، وربطها بفكّ أسر الإنتخابات الرئاسية.
في هذا السياق، لفت وليم نون إلى أن «الأمور لا تسلك مسارها الطبيعي وقد وصلنا إلى مكان يدفعنا لأن نكون هنا، وهذه ليست رغبتنا، بل نرغب بأن يأخذ القضاء دوره»، معتبراً أنّ الملف «ما زال لدى البيطار بطريقة قانونية مع استمرار توقيف المسار القضائي»، مؤكداً أنّ «الأهالي لم يطالبوا ولو لمرة واحدة بمعرفة ما يجري في التحقيق وسريّته، إنما من حقّنا أن نعرف موعد الجلسات وموعد عمل القضاء ولماذا حصل التراجع عن الدعاوى على بعض الأشخاص منذ سنة وتوقف التحقيق. نحن نلوم بعض القضاة»، مطالباً القاضي البيطار بـ»توضيح موقفه».
إلى الخارج در
في المعيار الجغرافي، لا تتعدّى المسافة بين مرفأ بيروت والعدلية الـ7 كيلومترات. لكن في منطق القانون، يبدو أن أفضل سبيل لوصول القضية إلى قوسها، هو تجوالها في عواصم القرار الدولي بدل «اللفّ والدوران» في زواريب البؤس السياسية وبيروقراطيتها. وإذا كان قصر العدل خالي الوفاض، عزّز اللقاء في نقابة المحامين أمس، الأمل لدى أهالي الضحايا.
إذ، دعاهم النقيب ناضر كسبار، إلى الإجتماع مع وفد رفيع من المحامين الفرنسيين ضمّ النقيب السابق للمحامين في نقابة ليون، ومع وفد (12 محامياً) من نقابة مارسيليا، حيث تمّ الإتفاق على التنسيق المباشر بين الفرنسيين والأهالي لمساعدتهم في تحريك التحقيق اللبناني من جهة، والوصول إلى لجنة تقصّي حقائق دولية من قبل الأمم المتحدة. ولفت المحامي طنّوس إلى أنّ «اللقاء كان مثمراً ومؤثّراً جدّاً، حتّى أن بعض محامي مارسيليا انهمرت دموعهم بعد سماع معاناة الأهالي».
أمّا مسار التعاون، فيبدأ برفع الأهالي تقريرهم بالتنسيق مع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في بيروت، حول العراقيل المحيطة بملف التحقيق. كما تلقّى الأهالي وعداً من ممثلي النقابات الفرنسية برفع دعاوى لدى المحاكم الفرنسية مبنية على ضحايا فرنسيين سقطوا في انفجار بيروت، كما حصل لدى محكمة العدل العليا البريطانية في شباط الماضي والتي أصدرت حكماً قضائيّاً بحق شركة «سافارو» في قضية شحنة «نترات الأمونيوم» التي نقلتها الشركة إلى لبنان، وتسبّبت الحمولة لاحقاً في انفجار المرفأ.
وتكمن المفارقة أن الرئيس الفرنسي هو المعرقل الأوّل للتحقيق الدولي وفق نون، الذي كشف في حديث لـ»نداء الوطن»، أنه خلال لقاءات الأهالي مع دبلوماسيين فرنسيين، استشفّوا عدم حماسة ورغبة ماكرون في هذا الإتجاه، عازياً السبب إلى حسابات الأخير السياسية ومصالحه الإقتصادية في لبنان.
ختاماً، لم ينتهِ طريق العدالة الأممي عند الحدود البريطانيّة والفرنسيّة، إذ أعلنت الدولة الأسترالية (كونها عضواً في مجلس الأمن الدولي) تبنّيها قضية المرفأ، ما يسمح لها وفق نظام المنظّمة أن تطرح الموضوع على الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والدفع باتجاه الوصول إلى تشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية.