23-نوفمبر-2024

كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:

تخيّلوا معي أن رجلا وعائلته قصدوا جارهم وطلبوا منه استضافتهم فترةً موقّتة بعدما أرغموا على إخلاء منزلهم وضاقت بهم الحال… استقبلهم الجار المضياف فقدّم لهم كلّ ما يحتاجونه، واستبقاهم في منزله رغم أن الظروف ضاقت عليه هو الآخر… بقيت العائلة تلك في منزل الجار سنواتٍ، طاب لها السكن هناك، في وقت كانت تحصل شهريا على معونات ومساعدات من فاعلي خير، لدرجة أنها لم تتأخر في التكاثر، فـ”عبّت البيت”، حتى بات صاحب المنزل غريباً في داره…
تلك قصّتنا يا سادة، فنحنُ أصحابُ البيت الغرباء على أرضنا… واولئك هم جيراننا السوريون الذين تحوّلوا رغما عنا إلى أصحاب البيت… “وهيدي مش عنصرية”!

ستتناطح الأقلام والافواهُ قبل إكمال قراءة هذه السطور، لوصفنا بالعنصريين… قولوا ما تشاؤون، وتفوّهوا بما تريدون، لكن الحقيقةَ واحدة… المشهدُ في لبنان اليوم بات سوريًّا بامتياز، والتأقلمُ مع ما يدورُ من حولنا باتَ مستحيلاً.
كلّفنا النزوحُ السوريُ إلى أرضنا ولا يزال أكثر من 3 مليارات دولار سنويا، وأرهقَ اقتصادنا المتهاوي أساسا… أكثر من مليوني سوريّ استفادوا من المواد التي دُعمت من ودائعنا، من دواءٍ وغذاء ومحروقات وكهرباء، وها نحن غارقون في مستنقعِ الازمات، فيما هم يتكاثرون!
فوفق النشرة الاحصائية لوزارة الصحة، تمّ تسجيل 100 ألف ولادة في لبنان في العام 2021، 40 في المئة منها لسوريين، وهذا وحدهُ كفيلٌ بأن يشكّل قنبلةً ديمغرافية وجبَ على من هم في سدّة المسؤولية أن يجعلوها أولويّة.

إذهبوا إلى المطاعم والحدائق والساحات والبحار والكورنيشات… ستشعرون أنكم أنتم الغرباء على أرضِ الآخرين.
تجوّلوا في الشوارع، تبضّعوا في المحال، ستشعرونَ أنكم سيّاح حينما تجدون أن غالبية الزبائن والباعة من السوريين.
خذوا أولادكم إلى المنتزهات الخاصة أو ما يعرف بالـ playground، كونوا اكيدين أن الغالبية هناك ستكون من السوريين…

تعطي الدولُ المانحة مساعداتٍ شهرية للعائلات السورية في لبنان، إضافة إلى مبالغَ شهريّة بالدولار الفريش تفوقُ في بعض الاحيان ما تجنيهُ عائلةٌ لبنانية مُنتجة… وتسألون لمَ لا يعودون؟ كونوا أكيدين أنه في اليوم الذي تتوقّفُ فيه المساعدات والإعانات سيعودون جميعا إلى بلادهم، وهو ما قد يُزعج بعض من يعتبرون أنفسهم حريصين على حقوق النازحين وأمنهم.

قبل أيام قليلة، عبّرت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية آيا مجذوب عن امتعاضها إزاء ترحيل السلطات اللبنانية لـ50 سوريا، داعية إلى التوقف فورا عن هذه الاعمال… إنزعجت مجذوب من إعادة 50 إلى بلادهم، ولم يُزعجها ما حلّ بنا نتيجة الأعداد الهائلة من النازحين، فلِمَ لا تبحثُ عن بلاد أخرى تستضيفهم؟ إنها بالفعل وقاحةٌ فاقعة!

أن نضيق ذرعًا بعبء سوري دحرجَ اقتصادنا أكثر وبتغيير ديمغرافي لا يمكن السكوت عنه، هذه ليست عنصرية…
أن نضيق ذرعًا بعد أن باتت للسوري أولوية استئجار منزلٍ لأنه يدفعُ بالدولار، هذه ليست عنصرية…
أن نجد لبناننا غارقا بأعداد هائلة من النازحين، وأن تصبح حدائقنا العامة وساحاتنا.. ساحاتٍ للتخييم، هذه ليست عنصرية…
أن نرفع الصوت رفضا لهذه الصورة التي لا تشبهنا، ليست عنصرية، لا بل أن السكوت عمّا يحصل، بات عمالةً… تماما كما هي حال أولئك الذين يحلمون ويخطّطون حتى تصبح الدارُ كلّها مُلك الجار!