جاء في جريدة “الأنباء” الإلكترونية:
لم تهدأ الضجة التي أحدثها القرار بتمديد التوقيت الشتوي الى نهاية شهر رمضان المبارك في الحادي والعشرين من نيسان المقبل بطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري وموافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، علماً أنَّ التوقيت الشتوي كان مفترضاً أن ينتهي العمل به ليل أمس في الخامس والعشرين من الحالي.
وتعليقاً على القرار، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إنَّ “أزمة البلد أكبر من تقديم أو تأخير الساعة، ولا داعي لاتخاذ قرارات تصب في الأتون الطائفي البغيض”، مضيفاً: “فلتعود هذه الحكومة وهذا المجلس إلى ترجمة توصيات صندوق النقد الدولي على علاته، لكن لا نملك خياراً بعيداً عن مستشاري السوء. وكفى متاجرة بالملك العام من المرفأ إلى المطار إلى الغير”.
الاعتراض على قرار تمديد التوقيت الشتوي بدأ يأخذ بعداً طائفياً بعد اجماع غالبية القوى المسيحية على رفضه لمخالفته قرار التوقيت الدولي، والحرج الذي يشكله على كافة المؤسسات وفي مقدّمها حركة المطار والملاحة الجوية والحجوزات والتوقيت المعتمد في شركات الخلوي العالمية وغيرها من وسائل التواصل في الداخل، وعلى ما يبدو أنَّ الانقسام الطائفي العمودي بين المسيحيين والمسلمين تجلّى في أبهى صوره بعد إعلان كل من تكتل الجمهورية القوية وتكتل لبنان القوي وحزبي الكتائب والأحرار والمرجعيات الدينية المسيحية، وفي مقدمهم البطريرك الماروني مار بشارة الراعي وراعي أبرشية بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة عدم الموافقة عليه للأسباب الآنفة الذكر.
وتعقيباً على القرار، أعلنت العديد من المؤسسات الاعلامية عدم الالتزام بقرار التمديد والعمل بالتوقيت الصيفي كما هو متفق عليه عالميا، بما يؤكد أنَّ كل المؤسسات التابعة للأحزاب والقوى المسيحية على مساحة لبنان ترفض رفضاً قاطعاً خروج لبنان عن المجتمع الدولي بموضوع التوقيت صيفاً كان أم شتاء.
في هذا السياق، اعتبر النائب السابق أنيس نصّار أنَّ مسألة التوقيت علمية ولا يمكن لأي فريق تحديدها وفق رغباته وأهوائه، وقد تربينا عليها من عشرات السنين، لافتاً إلى أنه لا يستطيع الرئيسان بري وميقاتي أن يعدلا بالتوقيت المعتمد دولياً “بقعدة فنجان قهوة”، كما قال.
نصّار وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية أشار الى أن التوقيت عادة يتبع الشمس وليس العكس، وبذلك فإنَّ كل قطاع الإتصالات مبرمج على هذا الأساس، مشيراً إلى أنَّه لا يعرف الأسباب التي دفعت الرئيس برّي لإتخاذ هذا الإجراء، ووضعه في الإطار التقني المحض من دون أن يكون له أية خلفية سياسية، مستغرباً تزامن الحديث عن هذا الإجراء المرفوض من قبل شريحة واسعة من اللّبنانيين، وليس فقط من المسيحيين، بعد الاعلان عن تلزيم بناءٍ جديد في مطار رفيق الحريري الدولي لشركة أجنبية بـ 125 مليون دولار مقابل استثمار لمدة 25 سنة من دون المرور بدائرة المناقصات وقانون الشراء العام.
وسأل نصّار: “كيف يمكن أن يحصل ذلك ولبنان يعيش أزمة معيشية خانقة بعد تجاوز سعر الدولار الأميركي 140 ألف ليرة والبلد على شفير إنهيار حقيقي؟”، مستغرباً أن يدار البلد بهذه الطريقة.
وإذ رفضَ نصّار إتهام البعض للمسيحيين بمقاربة موضوع التوقيت من خلفية طائفية، واستطرد متسائلاً “لماذا لم يعطِ المسيحيون التوقيت الذي يناسبهم وهم أيضاً في حالة صيام؟”، مضيفا “أين الشرخ الطائفي ولمصلحة مَن إلباس كل خلاف بين فريقين عباءة طائفية”.
وبحسب نصّار، فإنَّ الموضوع في مكان آخر، إذ وصفَ زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية بربرا ليف بالاستطلاعية لنصح المسؤولين والقوى السياسية لتنفيذ الإصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية لأن الولايات المتحدة لديها حرص على عدم سقوط لبنان، لكنها لن تقوم مقام اللّبنانين، فلديها من المشاكل الاقتصادية ما يكفيها، لافتاً إلى انهيار مصرفين كبيرين في أميركا، وفي بريطانيا يوجد أزمة محروقات حادة وهي مستمرّة من عدة أشهر ، وكذلك الأمر بالنسبة لفرنسا التي تشهد أزمة غلاء وارتفاع أسعار أكثر من لبنان.
واعتبرَ نصّار أنَّ العالم بأسره منشغل بهمومه ومشاكله، وبذلك فإن لم نتدبر أمرنا بأنفسنا فلا أحد سيهتم بنا، داعياً القوى السياسية الى الاستفادة من التقارب السعودي الايراني والذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية والشروع بورشة الإصلاح الحقيقي بدل التلهي برمي التهم جزافاً على هذا الفريق أو ذاك، مستبعداً أي كلام عن اتفاق القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لا فوق الطاولة ولا تحتها لأن من “جرّب المجرّب كان عقله مخرب”، لافتاً الى وجود تشابه في المواقف أحياناً ما يدفع البعض الى اتهامنا بالتنسيق مع التيار وهذا الأمر مرفوض ومستبعد.
بدوره، أشار النائب السابق عاصم عراجي في اتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية الى أنه كان يمكن الاستغناء عن الخلاف بشأن التوقيت، لأن البلد فيه ما يكفيه من المشاكل ولا ينقصه خلافات سرعان ما تتحول الى طائفية، لذا لم يكن هناك داعٍ لهذا الجدال، معتبراً أنَّ هذا ما يوحي بأنَّ وضع البلد غير سليم على الإطلاق فالخلاف الطائفي يمكن أن يحصل على أتفه الاسباب.
وعن علاقة ما يجري بالفيدرالية او اللامركزية الإدارية، رأى عراجي أنَّ الجانب المسيحي يعرف أن اللامركزية مطبقة في أكثر من منطقة، ويعرف أن حزب الله لديه مصارفه وأجهزته الأمنية ومحاكمه ودوائره التي تُعنى بجمهوره وناسه، كما لديه القرض الحسن الذي يشمل كل مناطق تواجده، مشيراً إلى أنَّه منذ بداية الحرب الأهلية في العام 1975 لم يكن متشائماً كما هو اليوم.
وإذ لفتَ عراجي الى ظاهرة تملّك الأخوة السوريين والإقبال على استئجار البيوت الفخمة في قرى وبلدات البقاع الأوسط بما يطرح الكثير من علامات الاستفهام، وهذا الأمر يشعر القوى المسيحية بالقلق تجاهه، وربما قد دفع البعض للحديث مؤخراً عن اللامركزية الإدارية، ذكّر بتهديد بعض قادة الفريق المسيحي بالذهاب الى خيارات تحمي وجودهم.
وفي الملف الرئاسي، استبعدَ عراجي انتخاب رئيس جمهورية في هذه الظروف طالما هناك فريق متمسك بسلاحه وفريق آخر يخافه، واصفاً زيارة ليف بالاستكشافية للأزمة، داعياً القوى السياسية الى الاستفادة من التقارب السعودي الايراني وانتخاب رئيس جمهورية إنقاذاً للبنان.
وفيما أزمات البلد على حالها لا بل تتجه نحو الأسوأ، ينتظر لبنان ساعة الفرج ولكن بتوقيت هموم الناس لا الطوائف. وليت توحّد القوى السياسية على رفض تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي ينسحب على باقي الملفات في البلد وفي مقدمتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكانت وفّرت على البلد الكثير من معاناته.