22-نوفمبر-2024

جاء في “الراي” الكويتية:

يَتَنافَسُ رئيسا الحكومة نجيب ميقاتي والبرلمان نبيه بري على لَقَبِ «رَجُلِ الساعة» بعد القرار المفاجئ بعدم تقديم الساعة ساعة منتصف هذه الليلة وتَحَوُّله «قضيةَ الساعة» لارتداداته المُتَوالية على مَدارِ الساعة بعدما اتُّخذ في ساعةِ غَفْلَةٍ وبدا أشبه بـ«الساعة صفر» خصوصاً أنه لم يكن ابن ساعته… فكبُرت الاعتراضاتُ بين ساعةٍ وأخرى وكأن الأمرَ في ربع الساعة الأخير قبل ساعةِ الفصْل، أو أنه يدنو من حلول… الساعة.

بين المزاح والجَدّ، أطلّت داحس وغبراء أخرى على لبنان من قرارِ ميقاتي – بعد ظهوره في «جلسةِ دردشةٍ» مع بري – بتأجيلِ تاريخ بدء العمل بالتوقيت الصيفي استثنائياً هذه السنة من ليل 25 – 26 آذار إلى 20 -21 نيسان المقبل، خصوصاً أن الخطوةَ جاءت مع حلول رمضان المبارك وقبل يومين من سريان تقديم الساعة.

ولم يكنْ جفّ حبرُ القرار حتى قفزتْ إلى الواجهة إرباكاتٌ ذات طبيعة إدارية وفنية ترتبط في شكلٍ أساسي بحركة الطيران والهواتف الخلوية والبرْمجات الذكية.

إلا أن الأكثر حماوةً كانت الحملات السياسية الأقرب إلى اصطفافاتٍ طائفية دشّنها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ملوّحاً بعصيانِ ما اصطُلح على تسميته «توقيت ميقاتي»، قبل أن ترتفع أصوات قادة مسيحيين آخَرين داعين للرجوع عن الخطأ و… أُعْذِرَ مَن أَنْذر.

وفي «بلاد العجائب والغرائب» التي بات شعارُ «فقط في لبنان» ماركةً مسجَّلةً باسمها، وفي زمن «الأقوياء» الذين يَتَبارون في كلّ الساحاتِ، لم يكن مفاجئاً أن يبلغ هؤلاء سقفاً جديداً في التناحُر حتى حول ساعةٍ اقتطعوها من وقتٍ لم يَعُدْ الوطنُ الصغير الذي يُسابِقُ الارتطامَ المميتَ يملك تَرَفَ إضاعَتِه.

في «الزمن اللبناني» الذي لا ينفكّ يعود إلى الوراء منذ أكثر من 3 أعوامٍ بدتْ معها «بلادُ الأرز» وكأنها على «كوكب آخَر» مُنْفَصِلٍ عن الواقع والعصر، صارتْ «الحَبة قبّة» بعدما أخرجتْ عقاربُ الساعة «عقارب السياسة» من جُحورها لتتبادلَ «لسعاتٍ»، بعضها مغمّس بالطائفية وبعضها الآخَر بسمومِ صراعٍ ضارٍ، يُقاس بالأعوام، «طَحَنَ» الدولة ومؤسساتها، وكان «ارتجالُ» تأخير بدء العمل بتقديم الساعة «كيفما كان» آخِر مَظاهر تَحَلُّلها.

في الوطن الذي تَعَوَّدَ «الانشطارات» على سلّم السياسة والطائفية، بين «لبناننا ولبنانكم»، بين «بيروت الشرقية والغربية» وبين حكومتيْن زمن الحرب الأهلية، بين «صيفٍ وشتاء» في تطبيق القوانين وإنماء المناطق، بين دولةٍ ودويلة و… لم يعتقد أحدٌ أن الانقسامَ حول كل شيء وأي شيء قد يصل إلى «توقيتيْن» و«ساعتيْن» فاحَتْ «رائحتهما» من تهديدٍ بـ «عصيانِ» قرارٍ تَفرَّد به رئيس الحكومة كاسِراً مساراً اعتمده لبنان منذ 1998 باعتمادِ التوقيت الصيفي ابتداءً من السبت الأخير من شهر مارس من كل سنة.

وجاء ربْطُ ميقاتي وبري «اللعبَ بالوقت» بشهر رمضان الكريم وتوقيت الإفطار ليزيد من منسوبِ «الدهشة» حيال خطوةٍ «لا تقدّم ولا تؤخّر» في ساعات الصوم المضبوطة على الشروق والغروب،

لكنها تسبّب إرباكاتٍ كبرى في قطاعاتٍ ترتبط بالتوقيت العالمي لاسيما الطيران وأنظمة الشركات المعدّة للتكيّف مع تقديم الساعة تلقائياً آخِر سبت من مارس وحجْز المسارات الجوية وحجوز السفر، إلى جانب الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر التي «تنتقل» تلقائياً أيضاً إلى التوقيت الصيفي، ولكن «الذكاءَ اللبناني» تفوّق عليها وأعادها إلى… «العصر اليدوي».

ومنذ صدور القرار، مُعاكِساً تأكيد مجلس الوزراء في جلسة عقدها في 7 مارس سريان تقديم الساعة منتصف ليل 25 – 26 الجاري، بات اللبنانيون وكأنهم في «سباقٍ مع الوقت» أنْساهم الفراغَ المتمادي في رئاسة الجمهورية «والقنبلةَ الموقوتة» بساعةِ تفجيرٍ اسمُها «الدولار الأسود»،

وتفريغَ واقعهم المالي من آخِر «قطرات الأمل» بإنقاذٍ وشيك، وناقوسَ الخطر الذي قرعه صندوق النقد الدولي من أن بلدهم في وضع خطير للغاية بعد مرور عام على التزامه بإصلاحات أخفق في تطبيقها، و«دومينو» تساقُط سنترالات الاتصالات التابعة لهيئة «اوجيرو» الواحد تلو الآخر (وسط إضراب الموظّفين) وبينها سنترال الحمرا (ما أنذر بوقف الخطوط الخاصة بمصرف لبنان) وسنترال رأس بيروت الذي يمدّ جزءاً من الـInternational gateway اي البوابة التي تسمح للاتصالات الدولية بما فيه الانترنت بالدخول والخروج من وإلى لبنان.

فكل ذلك بدا في «سلّةٍ» و«الساعة الضائعة» في سلّة أخرى، كأنها من «ألعاب التسالي» التي استلهمتْ من «ألاعيب السياسة» وأحابيلها محاولاتٍ للتحايل على قرار «تجميد التوقيت الصيفي» لـ 26 يوماً ما استوجب تَكيُّفاً اضطرارياً لشركات طيران مثل «الميدل ايست» التي لجأت إلى تقديم مواعيد إقلاع كل الرحلات المغادرة من مطار رفيق الحريري الدولي خلال «الفترة الاستثنائية» ساعةً واحدة بما يتيح «رَبْطاً سلساً للمسافرين، الذين يتابعون سفرهم عبر المطارات الأجنبية من دون أي تأثير إلى وجهاتهم النهائية».

وإذ كان العاملونَ في قطاعِ الطيران يستشرفون «ضياعاً» سيصيب ركاباً قد يفوتهم «اللحاق بالوقت الجديد – القديم»، فإن عمومَ اللبنانيين انهمكوا في محاولة «التقاط معلومةٍ» حول كيفية وقْف انتقال أجهزتهم الخلوية والكمبيوترات إلى «التوقيت الصيفي» الليلة، بعدما تسبَّب القرار السريع والمتسرّع بعدم توافر الوقت الكافي لشركتيْ الخلوي (ألفا وتاتش) لبرْمجة الأجهزة والهواتف تلقائياً لمجاراة تعديل اللحظة الأخيرة.

وفيما كان المستخدمون يتلقون نهاراً رسالة نصية تطلب منهم تعديل إعدادات الساعة على هواتفهم «من أوتوماتيكيّ الى يدويّ» لتجنب تغيُّر الوقت على شاشة «الجوّال»، ضجّتْ مواقع التواصل بتسريباتٍ عن أن عدداً من المدارس الخاصة ومن لجان الأهل تدرس إمكان «عدم الالتزام بالقرار الاعتباطي واللاشرعي المتعلّق بالتوقيت الصيفي المستجد» وان «البحث جار في السُبل المتاحة لإعلان العصيان العام بوجه مَن اتخذ هذا القرار محاولاَ فرض توقيت جديد دون الرجوع أو التشاور مع المعنيين بتداعياتِ هكذا قرار».

وعلى «هدير بوسطة» الساعة التي لم تنقل لبنان من توقيت إلى آخَر، أطلّ سجالٌ قديم – جديد حول هذا المبدأ «من أصله» الذي يرتكز على تقليد تعتمده دول صناعية متطوّرة بهدف توفير استهلاك الطاقة والاستفادة من ضوء النهار وزيادة الإنتاجية، فيما «بلاد الأرز» تبتعد «سنين ضوئية»… إلى الوراء.

ولم يجد اللبنانيون أكثر تعبيراً عن عبثية «اللعب بالساعة» من استعادة تعليق ساخر شهير لزياد الرحباني من أحد برامجه الإذاعية، حين يقول «شو في ورانا ليقدّموا الساعة ساعة؟ ليش بيلعبوا بالساعة ويلخبطوا هالعباد؟ شو هالساعة لي من العمر»؟

ليضيف «شو في ورانا نحنا؟ شو مأثّر علينا الوقت؟ شو بمدينة تورينو نحنا؟ كنا نصنع 3 آلاف سيارة بالنهار وهلق إذا عتّمتْ بكير كارثة ورح يصيروا 2890 سيارة؟ خربت الشركة يعني، وبدنا نقصّر عالسوق والعرض والطلب لأنو بطوكيو نازلين فبركة بهالوقت بالسيارات ونحنا بتورينو سرّبنا أبكر، وقام طبش الميزان التجاري لمصلحتهم 48 ساعة… هيدي نكبة كبيرة وتأثّر الاقتصاد وزاد مؤشر التضخم وتفاقمت البطالة يعني؟ شو في ورانا ليقدّموا الساعة ساعة»؟