كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
الأرجح أنّ كثراً من المسؤولين والمعنيين، كانوا على دراية مسبقة بما ستؤول إليه مبادرة رئيس أبرشية انطلياس المطران انطوان بو نجم، بعد جولات مكوكية بين مقار قيادات الموارنة وبعض نواب الطائفة. لم يحتج الأمر الى كثير من التنجيم أو «التبصير» أو التحليل السياسي لقراءة مندرجات الجولة ونتائجها. تكفي استعادة التاريخ وكلّ التجارب المرة التي تصيب الموارنة عند الاستحقاق الرئاسي، للتأكد أن تفاهم هؤلاء هو ضرب من ضروب الخيال.
قام المطران بو نجم بجولة، واثنتين وثلاث في محاولة لتجاوز حقل ألغام الخلافات العمودية والأفقية التي تبعد بين القوى المسيحية، والمارونية تحديداً، لوضع خارطة طريق مشتركة من شأنها أن تحرّك مياه الاستحقاق الرئاسي وتنقله من مربّع الجمود إلى مربع التفاهم على الحدّ الأدنى من القواسم المشتركة.
قرر بو نجم أن يضع الإصبع على الجرح ويواجه عين العاصفة: من هو المرشح أو المرشحيْن أو المرشحين الذين تتقاطع أسماؤهم بين الأطراف المسيحية الأساسية؟ التقى المعنيين أكثر من مرة وفي باله صياغة لائحة من الأسماء التي قد تسحب فتيل الخلاف وتجمع المتخاصمين والمتباعدين عند اقتراحات مشتركة. واذ به يضع لائحة يتجاوز عدد مكوناتها العشرة مرشحين محتملين، يمكنهم أن يشكلوا «ذخيرة» أي لقاء موسّع يجمع النواب المسيحيين، أو العدد الأكبر منهم، للاتفاق على مرشح واحد.
في الواقع، يقول المواكبون إنّ البطريرك الماروني بشارة الراعي لم يكن بالأساس صاحب الفكرة في دفع راعي أبرشية انطلياس إلى طرق أبواب القيادات المارونية، لكن الأخير هو الذي تحمّس للطرح التشاوري، وهو لا بدّ منه بطبيعة الحال في ظلّ الانسداد العقيم الذي يواجه الاستحقاق الرئاسي، لكنه طلب بركة الراعي، فكان له أن يجرّب حظه.
يضيف المواكبون إنّ المطران بو نجم لم يختبر جيداً حنكة ودهاء تلك القيادات وقدرتها على الالتفاف على أي محاولة لزركها في زاوية السعي للتفاهم في ما بينها. سبق لخلافاتها أن «كعّت» الكنيسة أكثر من مرة. ولا حرج بالتالي من أن تجدد المحاولة.
وهذا ما حصل. طلعات ونزلات المطران بين معراب وبنشعي وميرنا الشالوحي والصيفي ومجلس النواب، انتهت إلى لائحة طويلة عريضة تحتاج إلى معجزة إلهية «لتزمّها» إلى اسم أو اسمين يمكن للموارنة أن يذهبوا بهما إلى الجلسة التشريعية. المفارقة وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن رزمة الأسماء التي عرضها بو نجم على كلّ من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، لم ينجُ منها أيّ اسم مشترك، بمعنى أنّ حصيلة المشاورات بين الرجلين، بواسطة بو نجم، لم تخرج بمرشح واحد قادر أن يكون خطّ التقاء بينهما… فوافق الأول على مجموعة وأعطى الثاني موافقته على مجموعة ثانية. وهكذا دواليك.
يوم السبت الماضي زار المطران بو نجم البطريرك الراعي لاطلاعه على حصيلة جولته المكوكية التي لم تنته كما تشتهي سفن راعي أبرشية انطلياس. والأرجح أنّ البطريرك الماروني لم يفاجأ بما واجهه «الزائر البطريركي» خصوصاً وأنّ الراعي يدرك تماماً حقيقة مواقف القيادات المسيحية وحتى النواب المستقلين أو أولئك المرشحين المعلنين، أو المضمورين. ولذا، قرر البطريرك اقفال باب المشاورات السياسية، ولو أنّ بعض المواكبين سبق لهم أن طرحوا على المطران بو نجم أن يهمل مسألة الأسماء واللائحة، ليركز على الطروحات أو آلية التعاون بين «كبار الموارنة»، لكي تكون مدخلاً للتفاهم.
إلا أنّه يبدو أنّ الراعي ضاق ذرعاً بالخلافات بين أبناء رعيته والتي تحول حتى دون الاتفاق على آلية موحدة لكيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي بشكل مشترك، ودعاهم إلى خلوة روحية للصلاة والتأمل، وكأنه بذلك يترك سفينة الاستحقاق للتدخل الآلهي، بعدما رفع يديه استسلاماً… أقله لناحية التفاوض والتشاور مع أصحاب العلاقة من الموارنة، فيما هؤلاء يرفضون تحميل المسيحيين مسؤولية الشغور نتيجة انقسامهم العمودي، ويعتبرون أنّ خشبة الخلاص تكمن في البرلمان لا خارجه.