23-نوفمبر-2024

كتب باسمة عطوي في “نداء الوطن”: 

ليس جديداً الكلام الذي يطلقه المدافعون عن المصارف، بأن التعرض لها يؤدي إلى قطع علاقة البنوك المراسلة بها. وهذا ما قاله محامو أحد المصارف، بعد إدعاء النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان على المصرف المعني بتهمة تبييض الاموال. فهذا «التحذير» سبق للمصارف ولحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن إستعانوا به في بداية الازمة الحالية، ومع رفع العديد من المودعين قضايا بحق الحاكم وبنوك.

تهمة لا يمكن التساهل معها

لكن الجديد هو أن «تبييض الاموال» هو تهمة لا يمكن للمصارف المراسلة القفز فوقها او تجاهلها، والتي ستتزامن مع تصنيف قادم لمجموعة العمل المالي Fatf الشهر المقبل، «ومن المرجح أن يضع لبنان في المنطقة الرمادية، لجهة عدم الالتزام بمبادئ مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب»، كما ينقل مصدر متابع لـ»نداء الوطن»، لافتاً إلى أن «هذا التصنيف يستند إلى توسع إقتصاد الكاش، على حساب ضمور النشاط المصرفي التقليدي، بالاضافة إلى تأخر إجراء الاصلاحات المالية المطلوبة، والتسويف الذي تمارسه الطبقة السياسية والمصرفية لإيجاد حل للأزمة المصرفية والمالية المستفحلة، فضلاً عن توسع الحديث عن توسعات مؤسسة القرض الحسن التابعة لـ»حزب الله» الى جانب التهريب والتهرب الضريبي المستفحل».

يضيف: «كل هذه المستجدات يمكن أن تزيد من إحتمال تفكير المصارف المراسلة، في جدوى استمرار العلاقة مع مصارف لبنانية لا تحقق عبرها أرباحاً كبيرة»، مشدداً على أن «المصارف المراسلة، تتابع كل الاخبار السلبية الحاصلة في القطاع المصرفي في لبنان لكنها لم تتخذ القرار بعد. وهذه العلاقة تخضع لكل مصرف على حدة، وكل مصرف لبناني سيحاول جهده للحفاظ على هذه العلاقة، لكن المصارف المتهمة هي الاكثر عرضة لإخراجها من السوق المالي العالمي».

يشرح المصدر: «إن المصارف اللبنانية المتهمة يمكن أن تلتف على قطع العلاقة، من خلال الاستعانة بمصارف أخرى لا تزال علاقتها سليمة مع المصارف المراسلة». مذكراً أن « Fatf سبق ان صنفت لبنان في بداية تسعينات القرن الماضي في المنطقة الرمادية لجهة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. لكن حينها كانت هناك إرادة سياسية لإخراجه من هذا التصنيف، ولذلك حصلت ورشة تشريعية لإقرار قوانين الالتزام مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب».

ويختم: «الخطر اليوم أكبر، أنه ليس هناك إرادة سياسية لإخراج لبنان من هذه المنطقة الرمادية التي سيجري وضعه فيها قريباً. بل على العكس تماماً، فهناك تماد في الاعتماد على إقتصاد الكاش، ما يعني أن على القطاع المصرفي الاستعداد للأسوأ، في العلاقة التي تربطه مع المصارف المراسلة».

تجارب سابقة

تجدر الاشارة إلى أن قطع علاقة المصارف المراسلة بالقطاع المصرفي ككل، يعني عملياً قطع علاقة لبنان بالاسواق المالية الخارجية، وشللاً تاماً في حركة الاستيراد والتصدير. هذا القرار لا يمكن ان يحصل من دون وجود قرار دولي واقليمي بمحاسبة القيمين على القطاع على إرتكاباته، خصوصاً أننا بلد يعتمد على التحويلات المالية الواردة، وعلى الاستيراد. علما أنه سبق لمصارف wells fargo, Citibank, standard chartered bank وtrust irving، أن قطعت علاقتها مع المصارف اللبنانية، نتيجة الخلل الحاصل في العلاقة بين الطرفين في مرحلة ما بعد ثورة 17 تشرين، والذي أدّى الى تخلّف عدد من المصارف عن تسديد التزاماتها، للمصارف المراسلة مقابل الاعتمادات المفتوحة.

البعد عن «الشوشرة غنيمة»

في القراءة القانونية لما يحصل، يشرح المحامي راضي بطرس لـ»نداء الوطن» أنه «وفقاً للأنظمة المالية العالمية والقوانين النافذة المتعلقة بهذه الجريمة، تؤدي تهمة تبييض الاموال إلى تجميد الرساميل. وعند الشك بأداء أي مصرف محلي، تُفضل المصارف المراسلة الابتعاد عن هذه الشبهات عبر وقف التعامل معها تلقائياً».

يضيف: «الامر لا يحتاج إلى قرار سياسي، لأن الجريمة هي شخصية. بمعنى أن مصرفاً إرتكب جريمة تبييض أموال، ولا يجوز التعميم على باقي المصارف. صحيح أن المتهم بريء حتى ثبوت إدانته، وإلا أن المشكلة هي أن المصارف المراسلة، لن تنتظر حتى صدور إدانة للمصرف المُتهم، بل سيجري قطع العلاقة معه كون التهمة «كبيرة» وصادرة من القضاء اللبناني».

يلفت بطرس إلى أن «حجم تعامل المصارف المراسلة مع المصارف اللبنانية ضئيل جداً، وغير مجدٍ إذا تمت المفاضلة بين الكلفة المادية، والاذى المعنوي والقانوني الذي يمكن أن يلحق بها نتيجة هذه العلاقة». مُعرباً عن «إعتقاده أن الإدعاء على المصارف، سيتوقف حين يصل الملف إلى قاضي التحقيق لأسباب شكلية متعددة. لكن المشكلة هي «الشوشرة» التي ستؤدي إلى قرار العديد من المصارف المراسلة، إلى وقف تعاملها مع المصرف اللبناني المتهم حتى لو أثبت براءته لاحقاً، لأن التهمة هي وصمة عار ستلحق به».

ويختم: «هناك العديد من المصارف التي يجب أن تُحاكم على أداءها السيئ، الذي سبّب الازمة التي يتخبط فيها المودعون، ولكن ليس بهذه الطريقة. لا يجوز أن تتم المحاسبة وفقاً لهذا النهج، ولا شك أن أمام المصارف اللبنانية المتهمة أيام عسيرة، في حال قررت البقاء في السوق، لأن كلفة التحويلات وإستمرارها على الخريطة المالية العالمية ستكون أعلى».