26-نوفمبر-2024

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

للأسبوع السابع على التوالي، يُحرم ما يقارب الـ 520 ألف تلميذٍ من حقهم في التعليم واستكمال عامهم الدراسي، جرّاء إستفحال الأزمة السياسيّة – الماليّة في لبنان، وتخبّط المسؤولين في المعالجات التي تسمح لأساتذة التعليم الرسمي بتعليق إضرابهم، والحدّ من التبعات السلبيّة الناجمة عن إبعاد ما يقارب 350 ألف تلميذٍ لبناني و170 ألف تلميذٍ سوري عن مقاعدهم الدراسيّة.

ويتزامن هذا التوقف القسري للتعليم الرسمي، مع إستكمال المدارس الخاصة عملها رغم التحديات الجمّة التي يمّر بها طاقمها التعليمي، ما من شأنه أن يترك فجوة كبيرةً، ترسّخ اللاعدالة جرّاء حرمان تلامذة الطبقة الوسطى والمهمشة من حقهم في التعليم اللائق للعام الثالث على التوالي، بعد تعذر مواكبتهم التعليم عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا، ما يضع مستقبل جيل كامل في المجهول.

إلى ذلك، يشتّد الضغط الداخلي والخارجي على وزارة التربية بعد اتساع الهوة بين التعليم الرسمي المتوقف عن التدريس والخاص المتقدم في مناهجه، ما دفع الوزير عباس الحلبي للتحذير من تداعيات الوصول إلى موعد الإمتحانات الرسمية في ظل هذا الوضع، وحرمان تلامذة التعليم الرسمي من إجراء الإمتحانات التي يتحضّر لها القطاع الخاص. أما على الصعيد الخارجي، فقد بدأت المنظمات الحكومية التي تأخذ على عاتقها وبشكل كبير تأمين الدعم المطلوب لتوفير التعليم للجميع وتحديداً للطلاب الأجانب، التحذير من «مخاطر انقطاع الأطفال في لبنان عن التعلّم»، داعية «الحكومة اللبنانية إلى اتّخاذ خطوات لدعم المعلّمين من خلال تحديد دخل يحفظ كرامتهم ويساعد الأطفال في الحصول على تعليم جيد وآمن وشامل» وفق ما ورد في البيان الصادر عن اليونسف.

في السياق، يشدّد الأساتذة على أنّ تصعيدهم المحقّ ناجم عن تنصّل الوزارة من إلتزامها بتقديم 130 دولاراً شهرياً أدرجتها في سياق الحوافز المالية للتعويض عن فقدان رواتبهم قيمتها الشهرية، قبل أن تستفحل الأزمة مع الإرتفاع الكبير للدولار ومعه أسعار المحروقات التي وضعت الأساتذة أمام استحالة الوصول إلى مدارسهم قبل البحث في تأمين أبسط مقومات العيش الكريم للأساتذة من مأكل ومشرب وطبابة.

رزمة المطالب

ويشير أمين سر رابطة التعليم الثانوي في لبنان حيدر خليفة لـ»نداء الوطن»، إلى أن الإرتفاع المستمر لسعر صرف الدولار يجهض تبعات الحقوق التي يتم التوافق عليها مع المعنيين، قبل العودة إلى الجمعيات العمومية لإتخاذ قرار العودة عن الإضراب من عدمه، ويوضح مقرر فرع الجنوب في رابطة التعليم الثانوي عبّاس رقّا لـ»نداء الوطن»، مطالب الأساتذة للعودة عن الإضراب كالآتي:

1 – إعتماد منصة صيرفة خاصة للأساتذة على سعر 15 ألف ليرة، يتم عبرها تحويل الراتب على سعر 15 ألف ليرة وقبضه لاحقاً بالدولار.

2 – ربط بدل النقل بليترات البنزين، وليس ببدل مقطوع (5 ليترات بنزين عن كل يوم عمل بدل الـ 200 الف ليرة التي أقرتها الحكومة).

3 – صرف الحوافز التي وعد بها الوزير مع بداية العام الدراسي (130$ شهرياً).

4 – زيادة موازنة تعاونية الموظفين من 10 أضعاف إلى 30.

5- إقرار العقد الكامل للمتعاقدين، وإعطائهم بدل النقل.

وبعد رفض الأساتذة حصر بدل النقل بـ200 ألف ليرة، يشير رقّا إلى أنّه تمّ التنصل من نتائج المفاوضات مع وزير التربية لجهة تبني إحتساب بدل النقل بالليترات، بعدما رُفع المطلب إلى لجنة وزارية خاصة تتابع الملفات المرتبطة بالقطاع العام، والتي عمدت إلى إرجاء إجتماعها نهاية الأسبوع إلى حين إستكمال دراستها للإقتراحات، واضعاً إقتراح الوزير الحلبي تقديم بدل إنتاجية عن الحضور أو الحوافز في إطار الوعود التي لا تتسم بالجديّة والتي لم تلبِ مطالب الأساتذة وطموحهم، مستبعداً في الوقت نفسه العودة عن الإضراب راهناً، داعياً الحكومة إلى مقاربة هذا الملف بإيجابية ليعمد الأساتذة في المقابل إلى الردّ بخطوات مضاعفة وإنهاء الإضراب.

في الغضون، يحذّر القيادي في «التيار النقابي المستقل» جورج سعاده من وجود إتفاق بين الوزارة والروابط التابعة للقوى السياسيّة للقبول بتقديمات متحركة لا تدخل في صلب راتب الأستاذ، ما يعرّض إستقراره المعيشي للخطر كما تعويضات نهاية الخدمة، والتعويضات الإستشفائية، واضعاً مقاربة السلطة لهذا الملف في خانة الخبث الذي يضع الأستاذ في الملاك بحكم الأجير بعد تذويب القيمة الثابتة من راتبه، مشيراً إلى أنّ بدعة التعاقد الوظيفي الخطيرة تندرج ضمن إملاءات صندوق النقد الدولي، الهادف إلى إعفاء الدولة من دورها ومسؤوليتها في تأمين حياة الناس الإجتماعية والصحيّة ونهاية الخدمة.

ومع تشديده على أنّ التعاقد الوظيفي يساهم في ضرب «دولة الرعاية الإجتماعيّة»، لفت إلى خطورة الإقتراح الذي تسوّق له «الروابط» من خلال دفع أساتذة الملاك إلى تحويل 10 ساعات من أصل 20 ساعة تدريس، إلى تعاقد داخلي لقاء ما يقارب 5 ملايين ليرة شهرياً، واضعاً هذا الأمر في إطار التمهيد الممنهج لتطيير الوظيفة وتحويل الأساتذة في الملاك إلى متعاقدين تتنصل الدولة لاحقاً من إلتزاماتها تجاههم.

ولفت إلى أن موقف «التيار النقابي المستقل» من الإضراب مرتبط بتحقيق المطالب التاليّة:

1 – تصحيح أجور وفقاً للتضخم الحاصل، وتثبيته في أساس الراتب.

2 – بدل نقل عادل بما يوازي 40 في المئة من قيمة صفيحة البنزين يومياً، أو الإستعاضة عن ذلك بتخصيص الأساتذة بـ10 قسائم بنزين/20 ليتراً شهرياً، أسوة بضباط الجيش اللبناني.

3 – تأمين بدل إستشفاء كامل عبر تعزيز ميزانية تعاونية موظفي الدولة.

ويختم مؤكداً أنّ عودة التلامذة إلى المدارس تقع على عاتق السلطة وفشلها في إدارتها للشؤون العامة التي أودت باللبنانيين إلى الجحيم.

الإدارة العامة وشروط صندوق النقد

ويتزامن إضراب أساتذة التعليم الرسمي مع الإضراب المفتوح لموظفي الإدارة العامة ومطالبتهم الحكومة بتأمين حقوق الموظفين المادية والمعنوية والحدّ من تآكل القيمة الشرائية لرواتبهم، وذلك من خلال:

1 – إستحداث منصة صيرفة تتيح لهم سحب رواتبهم بالدولار الأميركي على أساس سعر صرف لا يتعدى 15 ألف ليرة.

2 – تأمين التغطيّة الصحيّة الكاملة والشاملة.

3 – تزويد الموظفين بقسائم بنزين تصل إلى 10 ليترات عن كل يوم عمل.

4 – إفادة متعاقدي الساعة وعمال الفاتورة من التقديمات الصحيّة والإجتماعية وبدل النقل.

5 – إستعادة قيمة التقديمات الإجتماعية والمنح التعليمية بما يتناسب وإرتفاع مؤشر الغلاء وأقساط المدارس الحاليّة.

وعلى الرغم من أحقيّة هذه المطالب للموظفين والأساتذة الذين يؤدون عملهم بإنتظام، فإنّ الفساد المستشري في القطاع العام، المُثقل بالتوظيفات الحزبية والمحسوبيات والتنفيعات التي تكبّد الدولة ما يقارب الـ 70 في المئة من ميزانيتها لتغطية الرواتب والأجور، يضع الحكومة وفق المتابعين، أمام استحالة الإستجابة لتلك المطالب وتكرار سيناريو سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت في العام 2017، وأدت إلى إسقاط القطاع العام والدولة معاً… قبل أن تشدد الأوساط نفسها، على أن توجه الحكومة راهناً إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي وضعها في المقلب الآخر، لإشتراطه البدء في إعادة هيكلة القطاع العام، وتقليص كلفة الرواتب والأجور وتعويضات نهاية الخدمة ومعاشات التقاعد وما إلى ذلك من تقديمات تفاقم الأعباء على ميزانية الدولة.