كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
في آذار المقبل سيزور وفد من صندوق النقد الدولي لبنان. بهذا الخصوص، وجّهت مديرة الصندوق كريستالينا غورغييفا رسالة للمسؤولين اللبنانيين قائلة: “إلتزموا بتنفيذ الإجراءات التي تعهّدتم بها. وإلى الشعب اللبناني أقول: قلبي معكم فأنتم عانيتم أوقاتاً عصيبة… حان الوقت لكي تفتح السلطات اللبنانية صفحة جديدة وتمنح مستقبلاً أكثر إشراقاً للبنانيين”. وجاء ذلك في مقابلة مع “اقتصاد الشرق”.
البنك الدولي
وأعلن نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج أن لبنان وتونس هما أكثر دولتين يشعر البنك بالقلق بشأنهما في المنطقة، تليهما مصر والأردن. وقال لوكالة “رويترز” على هامش القمّة العالمية للحكومات في دبي، “لدينا عدد من عوامل القلق في تلك البلدان”، من بينها مستويات الديون والتضخم المرتفع. وأضاف: “دور الدولة في الاقتصاد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام دائماً ما يكون مبعث قلق بالنسبة لنا”، لافتاً إلى أن هناك “جزءاً” غير معلن من الدين العام، في إشارة إلى ديون الشركات المملوكة للدولة”.
وأضاف بلحاج، “ندعو إلى الشفافية، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها البدء في الإصلاح، ينبغي أن تكون الدفاتر واضحة”. وأشار الى أن هناك حملة للإصلاح في تونس “تتحرّك إلى الأمام، لكن بوتيرة أبطأ ممّا نرجو”.
وتابع أنه رغم أن لبنان يعاني منذ فترة طويلة ارتفاع مستويات الدين العام، فإن الأمر بات “مشكلة كبيرة”. وأضاف: “الشعب يشعر بعبء الانهيار شبه الكامل للقطاع المالي”، مشيراً إلى أن لبنان “من الأماكن التي تقضّ مضجعك بالفعل كما يقولون”.
وقال إن البنك الدولي خصّص بالفعل 900 مليون دولار لمصر في السنة المالية الحالية التي تستمرّ حتى حزيران، وسوف “يرى كيف تسير الأمور – قد نخصص المزيد”.
وأضاف أنه ستجري إحالة برنامج الشراكة مع مصر، الذي يمتدّ عادة لخمس سنوات، على مجلس البنك الدولي في 21 آذار لإقراره.
الصندوق ودول المنطقة
وتوقّع صندوق النقد الدولي تراجع النموّ الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نسبة 3.2 في المئة خلال العام الجاري، بعدما كان بنسبة 5.4 في المئة خلال العام 2022، على أن يرتفع إلى نسبة 3.5 في المئة في العام 2024.
وهذا الأمر يرتّب تحدّيات جمّة تعيشها المنطقة اقتصادياً وتعانيها كل دول العالم، عرضها مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور خلال حديثه الى “نداء الوطن”، وهي:
أوّلاً، تداعيات جائحة “كورونا التي كان لها تأثير كبير على الحركة الإقتصادية.
ثانياً، إرتفاع الأسعار الذي بدأ في العام 2021 مع عودة النمو وخصوصاً أسعار المواد الأساسية التي يستهلكها المواطن مثل الخبز والقمح وأسعار الطاقة. فاختلفت في دول المنطقة مستويات التضخم بحسب كلّ دولة.
وثالثاً، سجّل مستوى التضخم على التوالي للسنة الرابعة ارتفاعاً، فهناك دول وصلت فيها نسب التضخم الى 15 أو 16 في المئة في حين تخطّى التضخم نسبة الـ20 في المئة في بعض منها مثل مصر”.
تقسيم المنطقة إلى 3 مكوّنات
وإزاء كل تلك التحدّيات كان لا بدّ من اتخاذ دول المنطقة تدابير عدّة، وفي هذا السياق، قال أزعور “تمّ تقسيم المنطقة الى ثلاثة مكوّنات:
1- الدول المصدّرة للنفط: إتّخذت إجراءات سريعة بعد جائحة “كورونا” وقامت بإصلاحات كان لها دور أساسي في دفع الإقتصاد قدماً. فأعطت زخماً إقتصادياً لدول الخليج التي تمكّنت بسرعة من الخروج من الأزمة في العام 2022. وبلغت نسبة النمو في دول الخليج نحو 7.5 في المئة مشكّلة 70 في المئة أكثر من معدّل فترة الـ20 سنة الأخيرة، الأمر الذي حسّن مداخيلها الخارجية. ومن المتوقّع في السنوات الخمس المقبلة أن ترتفع الإحتياطات لدى تلك الدول بنحو 1000 مليار دولار، وبذلك هناك فرصة لرفع مستوى التعاون وتأمين فرص استثمارية أكبر بدول المنطقة.
2- الدول المستوردة للنفط: تلك الدول تختلف عن الفقيرة والضعيفة منها والتي تعاني أزمات، وضعها صعب لأن مستوى النمو فيها كان ضعيفاً وتأثرت أكثر بالأحداث العالمية نظراً الى بنيتها التحتية الضعيفة، فعانت مشكلة الأمن الغذائي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالمياً. وتلك الدول وضعها يصنّف بالأصعب.
3- الدول المتوسطة الدخل: حظيت البلدان التي تدخل ضمن تلك الفئة بمساعدة من صندوق النقد الدولي، ضمن برنامج متخصّص لدعم الدول في مواجهة كورونا. مع الإشارة هنا الى أن المغرب مصر ولبنان والأردن تدرج ضمن الدول ذات الدخل المتوسّط أما الدول الفقيرة فهي اليمن وجيبوتي…
تأثير الأزمات على الدول المتوسطة الدخل
وعن تأثير الأزمات العالمية على الدول المتوسطة الدخل والتي تحظى بمساعدة صندوق النقد الدولي، أوضح أزعور أن كلّاً من “أوضاعها ودخلها يختلف حسب السياسات المعتمدة من قبلها”.
وأعطى أمثلة على ذلك:
– “الأردن رغم أوضاعه الإقتصادية الصعبة تمكن من المحافظة على الإستقرار من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات، ما جعل التضخم دون نسبة الـ5 في المئة، أما المغرب فبقي التضخّم أقلّ من نسبة 6 في المئة.
– مصر كانت الصدمة الخارجية كبيرة عليها، نظراً لارتباط الإقتصاد المصري بالسياحة التي تعتمد على السيّاح من روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن ارتفاع أسعار القمح والمواد الأساسية التي تستوردها بأكثريتها”.
أما في لبنان فاكتفى أزعور بالقول إنها “مختلفة ومتراكمة ومتعدّدة الأوجه”.
ضرائب تصاعدية
لافتاً في ظلّ هذا الواقع إلى أن التضخّم في الدول الخليجية والعربية “يعتبر الضريبة الأقلّ عدالة أو الأكثر سوءاً على المواطن، لأنه يتمّ تقاضيها من الفقير والغني في الوقت نفسه”.
وهنا نطرح السؤال التالي: هل تحسّن وضع الدول التي تعاني أزمات مالية واقتصادية بعد فرض ضريبة إلزامية على مواطنيها؟
يعتبر أزعور أنه “عندما يكون إقتصاد أي دولة في وضع صعب، فإن هذا الأمر يتطلّب معالجة مبنية على إجراءات عدة، وفي بعض الأحيان لتحسين مستويات الإيرادات ورفعها على الإيرادات الأكثر قدرة تكون الضريبة تصاعدية حسب وضع البلد الضريبي أو حاجته. لا يوجد سياسة إقتصادية أو مالية مبنية على إجراء واحد وإنما على إجراءات متعدّدة: أولاً، المحافظة على الإستقرار الإقتصادي ما يخفّض المخاطر وارتفاع الفوائد ويرفع مستويات الإستمرار، ثانياً، معالجة مشكلة التضخّم، ثالثاً، تعميم الثقة بالإقتصاد، ورابعاً، عدم تمويل الإقتصاد من مدّخرات المواطنين بل التمويل من خلال الإقتصاد”. الى أي حدّ تستطيع المؤسسات الدولية المموّلة أو الداعمة للدول أن تؤدي دورها في مواجهة التضخم؟ “دور مؤسسة صندوق النقد الدولي يقوم على مساعدة الدول لتمويل الإصلاح. فالصندوق ليس مؤسسة مالية عادية وإنما هو مؤسسة مالية تعنى بدعم ومساعدة الدول بالسياسات الإقتصادية. ولهذا السبب يتمّ وضع برنامج إصلاحي يواكب التمويل والتمويل يواكب الإصلاح”، كما يؤكد أزعور.
وانطلاقاً من المعطيات التي يطبّقها صندوق النقد على الدول التي يوقّع معها إتفاقيات، لا يزال لبنان بعيداً عن التوصّل الى اتفاق نهائي معه في ظلّ عدم التزام السلطات اللبنانية بالشروط والإصلاحات المطلوبة والتي تمّ التوافق عليها في الإتفاق الذي وقّع على صعيد الموظفين في نيسان 2022، لا سيّما إقرار القوانين الإصلاحية التي اقتصرت فقط على قانون السرية المصرفية من دون إقرار قانوني إعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول، ولم يبدأ التدقيق في موجودات المصارف ولم تعلن نتيجة التدقيق في احتياطات مصرف لبنان، ولم تتوحد أسعار الصرف ولم توضع ميزانيات إصلاحية حقيقية بالاضافة الى قوانين وإجراءات إصلاحية أخرى لم ترَ النور بعد!.