23-نوفمبر-2024

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”: 

هو لبناني أباً عن جد لكنه يحمل الجنسية الأميركية وبالتالي هو مواطن أميركي تهبّ الحكومة الفدرالية لنجدته متى كان في وضع صعب، وقد تفرض عقوبات على حكومات تحتجز حريته… هذا واحد من أسباب كثيرة تدفع اللبناني للبحث عن جنسية أخرى تعينه وقت الشدائد. ومع اشتداد الأزمة المعيشية ومعها أزمة الاستحصال على جواز سفر لبناني، وقبلهما مصاعب الحصول على تأشيرة للدخول الى بلدان أوروبا أو أميركا وغيرها صار الحصول على «باسبور» آخر حلم وهدف كل لبناني.

لم ينس أهل لبنان بعد كيف وصلت السفن الأميركية إبان حرب تموز 2006 ورست قبالة شاطئ ضبية لإجلاء المواطنين الأميركيين والأوروبيين ومعهم كل لبناني يحمل الجنسية الغربية، فيما بقي اللبنانيون الأقحاح الذين لم يسعفهم الحظ في الحصول سابقاً على جنسية ثانية، صامدين تحت القذائف الإسرائيلية… وأمر الهجرة ليس بمستجد بالطبع على اللبنانيين ولا التأقلم مع هوية جديدة، لكن الجديد اليوم هو السعي للحصول على «باسبور عالمي» آخر فيما هم في لبنان او حيثما كانوا في الاغتراب. فما قصة هذه الباسبورات وكيف يتم الحصول عليها؟

الباسبور اللّبناني ضعيف

وفقاً لمؤشر Guide العالمي للعام 2023، يحتل جواز سفر لبنان المرتبة 98 عالمياً، ويتحدد ترتيب جواز سفر لبنان استناداً إلى مستوى حرية التنقل العالمي الذي يتيحه هذا الجواز لحامليه. ويمكن لحاملي الجواز اللبناني السفر بدون تأشيرة إلى 41 دولة على مستوى العالم، وتشمل هذه الدول الوجهات التي يمكن السفر إليها بدون تأشيرة مسبقة بالإضافة إلى الدول التي يمكن دخولها بتأشيرة عند الوصول، وكذلك الدول التي يمكن السفر إليها بتصريح سفر إلكتروني. لكن هؤلاء يحتاجون إلى الحصول على تأشيرة مسبقة قبل السفر إلى 158 دولة. من هنا بات التفتيش عن جواز سفر آخر أقوى من الجواز اللبناني هاجساً عند اللبنانيين لا سيما بعد أن باتت الخيارات سهلة تتيح لهم الحصول على جنسية أو إقامة دائمة في بلدان كثيرة أوروبية أو بعيدة.

على شاشات التلفزيون وعلى الطرقات إعلانات لشركات تتيح الحصول على جواز سفر ثان بسعر يتراوح بين مئة ومئتي ألف دولار. توجهنا الى إحدى هذه الشركات لمعرفة آلية الحصول على هذا الجواز وما يؤمنه من ميزات لحامله وللتعرف الى مدى إقبال اللبنانيين على خوض هذه المغامرة.

بداية، يصر مدير عام إحدى الشركات الى أمر بديهي وهو أنهم لا يشجعون على الهجرة ولا يفتحون بابها للبنانيين بل يتيحون للمواطن اللبناني إمكانية الحصول على جواز سفر ثان يسهل أموره، فيما هو في بيته دون أن يضطر الى الهجرة والابتعاد عن بلده او مكان إقامته. لبنانيون في لبنان او في بلدان الخليج او أفريقيا يتهافتون على هذا الخيار. وحتى من يحمل أبناؤه جنسية أخرى يسعى للحصول على هذا الجواز وإعطائه أيضاً لأبنائه. فهو جواز عبور الى 140 بلداً ومن ضمنها دول أوروبا المنضوية تحت لواء الشينغن وأيضاً المملكة المتحدة، من دون عناء الحصول على تأشيرة، الأمر الذي غالباً ما يعاني منه حامل الجواز اللبناني.

الكاريبيون الجدد

الفكرة تنقسم الى قسمين، فإما الحصول على إقامة في دولة أوروبية أو الحصول على جنسية من إحدى دول البحر الكاريبي. لنبدأ بالخيار الثاني لأنه الأغرب، إذ ثمة دول تابعة للكومنولث البريطاني وواقعة في البحر الكاريبي بين أميركا وفنزويلا أطلقت فكرة الحصول على جنسيتها مقابل مبالغ مالية. هي دول «شرعية» مسجلة في الأمم المتحدة وجوازات سفرها تتراوح أرقامها ما بين 26 و 34 عالمياً. إذا بالمبدأ أعلى ترتيباً من الجواز اللبناني بمراتب. «سانت كيتس أند نيفيس، أنتيغا أند باربودا، دومينيكا، سانت لوشيا، غرانادا» هي أسماء هذه الدول، ويكفي أن يقدم طالب الجواز ملفه ويدفع مبلغاً من المال كهبة للصندوق الحكومي أو يقوم بإستثمار عقاري في الدولة لتتم دراسة ملفه والتأكد من كونه لا يشكل خطراً على الدولة ليتم من ثم، وبعد ستة أشهر، منحه الجواز الحلم الذي يخلصه من عناء انتظار التأشيرات او التعرض للرفض أحياناً.

حصوله على جنسية إحدى هذه البلدان يؤمن له الى جانب الجواز الحصول على إمكانية فتح حساب مصرفي في هذه الدول والاستفادة من تقديماتها مثل الطبابة وغيرها، والأهم أنها لا تفرض ضرائب على الدخل والممتلكات كما هي الحال مع الجنسية الأميركية وقانون فاتكا الشهير الذي يجبر اللبنانيين الأميركيين على دفع ضرائب حتى عن ممتلكاتهم اللبنانية. كما لا تفرض هذه الدول التجنيد الإجباري على من يحمل جنسيتها.

الدفع يبدأ من 100000 دولار أميركي أو أكثر بقليل عن كل فرد كهبة للصندوق الحكومي في إحدى هذه الدول، ويمكن لرب العائلة أن يقدم الملفات عن كل فرد من أفراد عائلته. والجدير ذكره أنه متى حصل الفرد على الجنسية فإن أولاده الذين يولدون بعد ذلك يحق لهم تلقائياً الحصول عليها. وربما نشهد بعد فترة لبنانيي سانت لوشيون أو غراناديون… وقد تهب حكوماتهم لنجدتهم إذا ما أوقفوا في لبنان مثلاً…

ويمكن أن يكون الدفع عبر طريقة أخرى، أي من خلال إجراء استثمار عقاري في البلد المطلوب، لكن الاستثمار كلفته أعلى وتعقيداته أكبر لذا يميل معظم المتقدمين الى الطريقة الأولى أي دفع هبة للحكومة. ويؤكد كركجي أن اللبنانيين المتمكنين مالياً باتوا يقبلون على هذا الإجراء وبخاصة القاطنين منهم في دول الخليج التي لا تمنح مطلقاً جنسيتها للمقيمين، أو في دول أفريقيا، وبهذا يسهلون على أنفسهم عملية الانتقال بين بلدان الشرق والغرب دون أن يتركوا مكان إقامتهم أو يضطروا للسكن للفترة في هذه البلدان او للقيام بزيارات متكررة للحصول على إقامة فيها ومن ثم الجنسية…

يلهثون وراء الجنسية

هنا تذكرت ما كانت تعانيه الأمهات اللبنانيات الحوامل من مشقات سفر لتأمين ولادة أطفالهن في أميركا أو كندا لضمان حصولهم على جنسية هذه البلدان. فإحدى القريبات تحايلت على شركة الطيران وأخفت حملها وهي في شهرها التاسع ليسمح لها باستقلال الطائرة الى كندا. وعند وصولها الى هناك أقامت لشهر مع عائلة بالكاد تربطها بها علاقة عائلية ودفعت فوقها وتحتها للمستشفى عند الولادة وعادت الى لبنان ترفع رايات النصر بعد أن أمنت مستقبل طفلتها ودراستها الجامعية وإمكانية إجلائها عند المخاطر…

وتذكرت كذلك ابن الجيران الذي قصد فرنسا ليكمل تخصصه الجامعي ولم يشأ العودة الى لبنان قبل مضي 8 سنوات اي حتى يحصل على الجنسية الفرنسية تاركاً والديه وحيدين. وفكرت بأخي الذي كان يتردد كل ستة اشهر الى الولايات المتحدة بغية تأمين الأيام الكافية للحصول على الغرين كارد الذي يتيح له في ما بعد الحصول على الجنسية الأميركية وكيف ملّ هذه المشاوير المتكررة بعد فترة… كما تذكرت قصص العديد من الشبان اللبنانيين الذي اضطروا الى الزواج من أجنبيات شابات وعجائز لا لحب بل للحصول على جنسية الزوجة العتيدة.

كل هؤلاء صار بإمكانهم تجنب هذه المشقات والحصول على جنسية ثانية وهم في بيوتهم… ولكن ترى هل تسارع انتيغا اند بربودا لإخراج مواطنيها اللبنانيين من السجون وتطيرهم تحت جنح الظلام الى بر الأمان؟. 

إقامة من ذهب

في الفصل الثاني من محاولات الهروب من الإقامة الجبرية في الجحيم، يسعى اللبنانيون الى الحصول على إقامات دائمة في الدول الأوروبية القريبة تغنيهم عن طلب التأشيرة في كل مرة أو تجديد الإقامة وتغنيهم ايضاً عن نظام الكفيل في بعض الدول العربية. الإمارات كانت السباقة في منح الإقامة الذهبية التي تمتد على عشر سنوات للـVIP اللبنانيين من فنانين ومبدعين. ولكن الأقل إبداعاً لا يزالون يفتشون عن إقامة أوروبية عبر الاستثمار العقاري. ويشرح أن قبرص واليونان والبرتغال وحتى إسبانيا وإيطاليا دول تقدم الإقامة على أراضيها للمستثمرين وفق شروط معينة تختلف بين دولة وأخرى. ففي قبرص مثلاً يمكن الاستثمار بمبلغ 300000 دولار للحصول على إقامة في الجزيرة، وسابقاً كان يمكن لمن يعيش في الجزيرة لفترة طويلة ويستثمر فيها أكثر الحصول على جواز سفر قبرصي لكن الأمر توقف اليوم. ورغم كون اللبنانيين يرغبون في الحصول على الإقامة القبرصية لقرب الجزيرة من لبنان وكونها تقدم تسهيلات كثيرة إلا أن الأقامة فيها لا تتيح التنقل في دول الشنغن الأوروبية. أما في ما تؤمنه الإقامة في اليونان، فيمكن للبناني أن يستثمر حالياً في عقار بمبلغ 250000 دولار للحصول على الإقامة لكن المبلغ سيتضاعف قريباً. ويصعب الحصول على الجنسية اليونانية إلا أن الحصول على الإقامة يتيح التنقل بلا تأشيرة في الدول الأوروبية المنضوية تحت اتفاقية الشينغن. أما في البرتغال فالاستثمار العقاري الأدنى ينبغي ان يكون 280000 دولار وهو يتيح العيش في البرتغال والتنقل في أوروبا وحتى التقدم للحصول على الجنسية البرتغالية بعد خمس سنوات، شرط تعلم اللغة البرتغالية وزيارة البلد أقله مرة كل سنة. مونتي نيغرو أوقفت حالياً نظام الإقامة أما إسبانيا وإيطاليا فشروطهما أصعب والاستثمار فيهما يجب أن يكون أعلى، من هنا عدم شعبيتهما بالنسبة للبنانيين.

أما كيف تتم آلية التقدم للحصول على الإقامة فالأمر ليس بمعقّد، إذ ينبغي على المستثمر ان يفتح حساباً مصرفياً وأن يقدم ملفه للتأكد منه ليتم بعدها الاستثمار في عقار، والجدير ذكره أن لا ضرائب تفرض على الشخص او ممتلكاته في لبنان بل على العقار الذي يمتلكه في البلد. لكن ما ينبغي التأكد منه هو التعامل مع شركة موثوق بصدقيتها لأن أبواب الخداع والغش في هذا المجال كثيرة.

ختاماً، هل تكون هذه الهجرة الأنيقة حلاً أمام اللبنانيين ليكونوا مواطنين عالميين؟ يبدو أنها الطريق الوحيد أمام الشعوب المقهورة من فلسطينيين وسوريين وعراقيين الذين يقبلون بشكل كبير على جوازات البلدان الكاريبية والإقامات الأوروبية هرباً من بلدان لم تعد تشبه البلدان…