كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
نظرياً، سيواظب وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي على تأكيد إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، والمفترض أنه خلال شهر أيار المقبل. كذلك، لن يتخلى رئيس حكومته نجيب ميقاتي عن خطاب احترام المحطات الدستورية التي تفترض فتح صناديق الاقتراع لتجديد السلطات المحلية الممدد لها منذ عام تقريباً.
نظرياً أيضاً، سيلتزم وزير الداخلية بكل مندرجات القانون، وقد أعلنت وزارة الداخلية منذ أيام عن «جهوز القوائم الانتخابية الأوليّة، عملاً بالمواد 32 و33 و34 من القانون رقم 44 تاريخ 17/6/2017، حيث تم ارسال أقراص مدمجة تحتوي نسخاً عنها إلى البلديات وإلى المختارين وإلى مراكز المحافظات والأقضية وإلى وزارة الخارجية والمغتربين بهدف نشرها وتعميمها تسهيلًا للتنقيح النهائي».
نظرياً أيضاً، يعمل وزير الداخلية على تأمين الاعتمادات اللازمة لإجراء هذا الاستحقاق الذي يكلّف وفق تقدير مولوي 8،890،000 دولار وفق سعر صيرفة، على ما أبلغ مجلس الوزراء، وقد وجّه كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يحدد فيه المبلغ الذي يحتاجه، فيما يؤكد أمام زواره أنّه يسعى مع الجهات المانحة الأوروبية والغربية لتأمين هذا المبلغ. وسبق له أنّ أبلغ لجنة الدفاع والبلديات أنّ الكلفة تقدّر بحوالى 11 مليوناً و350 ألف دولار.
ولكن فعلياً، الانتخابات البلدية باتت على فالق «زلازل المنظومة»، سيطيح بها في أي لحظة. والمؤشرات صارت كثيرة:
أول تلك المؤشرات، أطلِق خلال اجتماع لجنة الدفاع والبلديات النيابية الذي عقد في 25 كانون الثاني الماضي لمناقشة وزير الداخلية بخصوص الاستحقاق، وقد خلصت اللجنة إلى أنّ تمويل الانتخابات يتطلب عقد جلسة تشريعية لتأمين الاعتمادات المطلوبة لأنّ وزير المالية يوسف خليل لفت إلى أنّه لا امكانية في احتياطي موازنة العام 2022 لتغطية هذه الكلفة.
ثاني تلك المؤشرات ورد على لسان وزير الداخلية الذي عاد ليشير إلى أنّ «فتح الاعتمادات بحاجة إلى جلسة تشريعية». ما يعني أنّ المبادرة خرجت من يده حتى لو نجح في تأمين بعض الموارد المالية من خلال الهبات.
أمّا ثالثها فورد أمس في سياق نقاشات مجلس الوزراء حيث طلب رئيس الحكومة تأجيل ارسال مشروع القانون بكلفة الانتخابات، إلى مجلس النواب تحت عنوان انتظار مجريات الاستحقاق الرئاسي علّها تفرج عن هوية الرئيس المقبل، فتكون المبادرة في عهد رئيس الجمهورية المنتظر، طالما أنّ الوقت لا يزال يسمح بهذا الهامش (ثلاثة أشهر حتى الموعد النهائي). وقد لمّح وزير الاعلام زياد مكاري بعد انتهاء الجلسة إلى «إمكانية تأجيل موعد الانتخابات البلدية».
رابع تلك المؤشرات لا يزال مكتوماً، وهو يأتي على شكل خلاصة يقودها سؤال جوهري: هل من مصلحة القوى السياسية الغارقة في أزماتها وسط توالي الانهيارات على كلّ المستويات، إجراء هذه الانتخابات التي من شأنها أن تفتح أبواب الصراعات المحلية والعائلية والحزبية؟
الجواب طبعاً هو بالنفي. ولعل هذا الاعتبار هو الذي يفسّر حالة البرودة التي تتسم بها حركة الماكينات الحزبية التي تبدو غير متحمّسة أبداً لمواجهة هذا الاختبار الصعب الذي سيضعها في مواجهة قواعدها الحزبية التي ستعود إلى جذورها «العائلية» و»القبلية»، فضلاً عن الأكلاف المالية التي قد تتكبّدها وهي بغنى عنها. وفيما لو افترضنا أكثر السيناريوات تفاؤلاً، والذي يقضي بتأمين التمويل سواء من جهات غربية أو عبر اقرار سلفة خزينة في مجلس النواب، فإنّ المنظومة ليست منزعجة من بثّ مناخات التشكيك بامكانية اجراء الانتخابات لما لذلك من انعكاس سلبي على معنويات الناخبين والمرشحين على حدّ سواء، ما يساهم في فرملة اندفاعتهم وحماستهم وتحضيراتهم، وهي عوامل تصبّ في مصلحة القوى السياسية لا خصومها.
ومع ذلك، سيجد وزير الداخلية نفسه، في آخر المطاف ملزماً بتسيير شؤون أكثر من 1000 بلدية ستصير كلّها منحلة اذا بلغنا شهر أيار المقبل من دون أن تتمكن الحكومة من إجراء الاستحقاق، واذا عجز مجلس النواب عن عقد جلسة تشريعية للتمديد مرة جديدة للمجالس البلدية والاختيارية، بسبب الشغور الرئاسي ورفض القوى المسيحية التشريع. وكلها عوامل تضع الاستحقاق على «فالق زلازل المنظومة»!