كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
على أبواب الإنتخابات البلدية، التي يصرّ وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي على أنّها حاصلة في موعدها المؤجّل، وقد حدّد في 31 أيار المقبل، تطرح إشكاليات عدّة في عمل البلديات، مرشّحة للتوارث من مجلس لآخر، كنتيجة لواقع إداري ومالي متردّ يعانيه معظمها، تسبّب في إرباك في أداء المجالس الحالية، وظهّره بدء تطبيق قانون الشراء العام.
لا يشكّك رؤساء البلديات في أهداف القانون الذي يؤمّن شفافية مالية واسعة برأيهم، إلا أنّ المشكل هو في المباشرة بتطبيقه من دون العمل أولاً على تذليل عقباته التي قد تتحوّل معرقلة لتطبيق القانون ولعمل البلديات، وخصوصاً في ما يتعلّق بتشكيل لجان التلزيم والإستلام.
فبحسب رؤساء بلديات في منطقة قضاء زحلة، هذا القانون قد يتلاءم مع شروط البنك الدولي، ولكنّه لا يأخذ في الإعتبار واقع البلديات التي تعاني بمعظمها من نقص في كوادرها الإدارية، يمنعها من اقتراح أسماء موظفين من إدارتها من الفئة الثالثة لإدراجهم من ضمن اللائحة النهائية لأعضاء لجنتي التلزيم والإستلام، وهذا ما جعل معظم البلديات لا تتقدّم بالعدد الكافي من الأسماء المطلوبة لتشكيل اللوائح المشتركة… علماً أنّ المادة 100 من قانون الشراء العام، نصّت على تشكيل لجان التلزيم من رئيس وعضوين أصيلين على الأقلّ، ومن رئيس وعضوين رديفين يكملان اللجنة عند غياب الرئيس أو أحد الأعضاء. وكذلك نصّت المادة 101 من القانون على أن تقترح الجهة الشارية لائحة بأسماء موظّفين من إدارتها من الفئة الثالثة على الأقل ترسل الى هيئة الشراء العام في شهر تشرين الأول من كلّ سنة، ويعمل على توحيدها في شهر تشرين الثاني، لترسل الى هيئة التفتيش المركزي، ديوان المحاسبة، والهيئة العليا للتأديب، للإستقصاء حولها، قبل وضعها بتصرّف الجهات الشارية على المنصّة الإلكترونية لدى هيئة الشراء العام.
وهكذا إذا تخلّفت البلديات قسراً عن تطبيق الشقّ المتعلّق بها من المادتين، فتعرقل بطبيعة الحال باقي مراحلهما، خصوصاً أنّ هذه القواعد الموحّدة في تشكيل اللجان لا تقتصر على البلديات وإنّما تشمل كافة المؤسسات العامة التي يعاني بعضها أيضاً من نقص مشابه بموظفي الفئة الثالثة.
التنصّل بالمرسوم 118
ولمّا كان القانون نفسه يمنع تصويب واقع الكوادر الإدارية في البلديات وسائر المؤسسات، بسبب منع التوظيفات الجديدة منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة في عهد الرئيس السابق ميشال عون، حاول البعض إيجاد ثغرة في القانون تسمح بالتنصّل منه، وبغطاء من المرسوم الإشتراعي رقم 118 / 1977. إذ يعتبر هذا المرسوم أن البلدية «إدارة محلية تقوم ضمن نطاقها بممارسة الصّلاحيات التي يخوّلها لها القانون، وهي تتمتّع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي والإداري في نطاق هذا القانون»، فيما تشكّل شروط رقابة هيئة الشراء العام وفقاً لرؤساء البلديات، مزيداً من العرقلة للقرارات الصادرة عن المجالس البلدية.
ولكن لرئيس هيئة الشراء العام جان العلية مقاربة مختلفة في هذا الإطار. ويقول لـ»نداء الوطن»: «إنّ قانون الشراء العام لا يحدّ من صلاحية البلديات كإدارة محلية، ولا من اللامركزية التي يجب أن تتمتّع بها، خصوصاً أنّه لا رقابة مسبقة لهيئة الشراء العام، بل يمكن للبلدية أن تقيم مناقصة وتعلنها وتضع دفتر الشروط على الموقع الإلكتروني الذي سيتحوّل منصّة مشتركة، من دون استئذاننا، ونحن لا نتدخّل إلا إذا ظهر خلال تدقيقنا أنّ هناك مخالفات».
ومن هنا يشدّد العلية على أنّه «لا يوجد مشكل بقانون الشراء العام لناحية مبادئه وأهدافه التي تقوم على تأمين المنافسة والعدالة والشفافية وتكافؤ الفرص والنشر، وهي الأمور التي تعتبر جوهر البعد الإصلاحي في القانون. إنّما هناك تعقيدات تقنية عملية إجرائية، تتعلّق خصوصاً بالإشكالية التي فرضها الواقع الوظيفي في البلديات، وهذا ما يجب معالجته».
ويشرح العلية: «التجربة أظهرت أنّ القانون الذي وضع جاء أكبر من قياس البلديات، وقد لاحظت هيئة الشراء العام ذلك فور البدء بتطبيق القانون. ولذلك قدّمت إقتراحاً للجنة البلديات والداخلية النيابية برئاسة النائب جهاد الصمد، تبنّته الأخيرة وأدرجته من ضمن موازنة 2022، وصدر بقانون الموازنة من ضمن المادة 119، وملخّصها أنه إذا لم يكن هناك في البلدية المعنية موظفون فئة ثالثة يمكن الإستعانة بموظفين من فئات أخرى، وإذا لم يكن عددهم كافياً أيضاً يمكن الإستعانة بأعضاء المجلس البلدي، فتمّت حلحلة هذه الإشكالية الى حدّ بعيد، ولكن كانت المفاجأة أنّ قرار مجلس شورى الدولة الذي أبطل بعض مواد الموازنة، أبطل أيضاً المادة 119، ما أعادنا في عملية التطبيق الى مربّع نص القانون كما وضع، فارتفعت صرخة البلديات من جديد».
واحدة من هذه الصرخات إرتفعت قبل أيام في أعقاب اجتماع مشترك لرؤساء بلديات قضاء زحلة، عقد في مقرّ بلدية زحلة، ثالث أكبر بلديات لبنان حيث لا يوجد في كادرها الوظيفي سوى موظّفة واحدة من الفئة الثالثة. وعلى أثر هذا الاجتماع تشكّلت لجنة مصغّرة إلتقت أمس الأول رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وطالبتهما باستثناءات تعفي البلديات من الشروط الموضوعة في آلية تطبيق القانون.
اجتماع في السراي
ولمّا كانت صرخة زحلة غير يتيمة، كان لافتاً التداعي بالتزامن معها إلى اجتماع عقد في السراي الحكومي للبحث في عراقيل تطبيقات قانون الشراء العام في مختلف المؤسسات ومن بينها البلديات، وحضره وزير الداخلية والبلديات، وزير العدل، رئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة الشراء العام، وخرج الاجتماع بحلّ مبدئي يقضي بدعوة البلديات والمؤسسات المعنية الأخرى غير القادرة على الإلتزام بشرط اقتراح مندوبي اللجان من موظفي الفئة الثالثة، أن يرسلوا كتباً بذلك لرئاسة الحكومة، تحوّل بدورها الى هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة، لدراسة كلّ منها بشكل منفرد والبحث في حلول ممكنة سواء من دون تعديل القانون أو مع تعديله.
يقول العلية «إنّ القانون نصّ واجب تحقيقه، ولكنّه لا يمكن رؤية القانون خارج الواقع». وإلى أن يجري تعديله في المجلس النيابي، يشدّد العليّة «على أنّه على المؤسسات التي تضمّ كوادرها موظّفين من الفئة الثالثة أن ترسلهم ليتدرّبوا في معهد باسل فليحان أو المعهد الوطني للإدارة لاستكمال باقي خطوات تشكيل لوائح اللجان المشتركة. وبالمقابل، فإنّ هيئة الشراء العام لن تصدر تقارير بأي بلدية إذا شكّلت لجانها من غير الفئة الثالثة أو من أعضاء المجالس البلدية، ولن تنظر الى الأمر كمخالفة تستدعي الملاحقة، ولكن بعد التأكد أنه ليس لها في كادرها الوظيفي موظفو فئة ثالثة. وإذا تبيّن أنه في بلدية ما هناك موظفو فئة ثالثة وضعوا جانباً وتشكّلت اللجنة من غيرهم لأسباب لا تتعلّق بالمصلحة العامة بالتأكيد سنحوّلها الى التفتيش وديوان المحاسبة».
هل هذا يعتبر «قبّة باط» كالتي تطالب البلديات بأن تكون بمعايير موحدة وتغطية إدارية، حتى يتسنى لها تسيير أمورها بالظروف الصعبة التي تواجهها عموماً؟ يقول العلية «إذا أردت أن تطاع فافعل المستطاع، نحن نطبّق القانون بذهنية القانون، والقانون لم يوضع لعرقلة المصلحة العامة بل لتسيير المرفق العام، والقانون لا يقبل الفراغ. وبانتظار تعديله سيطبّق مبدأ الحفاظ على استمرارية المرفق العام».