23-نوفمبر-2024

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”: 

“خبز البُطم”. هل سمعتم به؟ رغم ندرته في لبنان، لا تزال سيدتان من عيتا الشعب (قضاء بنت جبيل) تخبزانه، ويحظى بشعبية لافتة في هذه البلدة الجنوبية. ما هو هذا الخبز وما هي فوائده الصحية؟ لا يختلف خبز البطم كثيراً عن خبز الصاج، مع فارق بسيط يكمن في إضافة حبوب البطم السوداء إلى العجين. إضافة بسيطة تجعله مميّزاً وصحيّاً ومحرّكاً للدورة الدموية.

رغم تطوّر العصر، دأبت “الحاجة” أم علي طحيني منذ زمن على إعداده. لم تتنحّ يوماً عن صناعته، بل حافظت على هذا الخبز التراثي والصحي في آن. حصَّنت أم علي (الستّينية) ومعها إبنة عمها فاطمة، عائلاتهما من الفساد والتلوث الغذائي، فكلتاهما تعدان المونة البلدية، وتصنعان الجبنة واللبنة في المنزل، وتخبزان رغيف البطم. من هنا، لا تهتم السيدتان لما يجري في ملف الغذاء، ولا لفضيحة اللبنة المغشوشة، بل تضحكان في سرهما “نحن في مأمن”.

في الطريق نحو عيتا الشعب، لا زالت أشجار البطم تزين الحقول، تُعد هذه الشجرة صحية، نظراً لفوائدها المتعددة، بل تعتبر “صيدلية” بحدّ ذاتها، فهي علاج للأورام وأمراض الكبد، والمفاصل. وتفيد حبوبها في علاج بعض أنواع السرطان، والأهم أنها تساعد في نمو عقل الجنين وتدر الحليب للأم المرضعة، وفق الأهالي.

وفيما تعاني “شجرة البطم” من الإهمال وخطر الإندثار، تُحافظ أم علي على الأشجار المحاذية لمنزلها في عيتا، تقطف ثمارها مع بداية شهر آب وتجففها وتُدخلها في قلب المونة البيتية. داخل القبو القديم المُخصّص لخبز الصاج، تجلس أم علي وفاطمة، “ترقّان” العجين المغمّس ببذر البطم، و”تُدَور” فاطمة الرغيف، قبل وضعه على الصاج ليصبح جاهزاً.

قلّة تعرف هذا الخبز الشهي، فهو جزء من التراث القديم. كان خبز الفقراء، إلى جانب إعداد الحبوب “كبّة مع كمونة” واستخراج الزيت منه. فضلاً عن أكل حبوبه ذات المذاق المميّز بعد نضوجه، وبحسب أمّ علي هو من فصيلة الفستق الحلبي.

رغم فوائده الصحيّة، لم يأخذ خبز البطم حقّه في الإنتشار، وتقول أمّ علي: “تعلمته من أمي، وواظبت على إعداده، من دون انقطاع”، مردفة: “كل العائلة تأكل خبز البطم، فأنا أخبزه مرة كل أسبوع، ويقصدني معظم أبناء عيتا لتناول “بقعة”. لا تأبهان لأزمة خبز مرتقبة أو أزمة غذاء، فـ”خزانة المونة” لديهما تحوي شتى أنواع المؤن من طحين بلدي، إلى العدس والحمّص والفول وأنواع الورقيات والبقوليات كافة”.

تفتخر فاطمة كما أم علي بتفرّدهما بصناعة هذا الخبز. والدة أم علي تخطّت الـ96 من العمر وما زالت ترتاد “الوعر” لقطاف حبوب البطم الذي مدّها بالصحة وحفظها من الأمراض، كما تقول أمّ علي. أمّا موعد القطاف، فيتمّ بين شهري آب وتشرين، بعد نضوج حباته. ثمّ يجفّف تحت أشعة الشمس، ويصنع منه إلى جانب الخبز، فطائر الحميضة واللحم، كما يتم إعداد “كبّة البطم” مع الكمونة، وفق أم علي التي تلفت إلى أنّها “تجاوزت الـ67 عاماً ولم تتناول حبة دواء واحدة، بفضل هذه البذرة المميّزة”.

في الختام، يحظى خبز البطم بشعبية لافتة في عيتا الشعب، ويتوقع أن يزداد الطلب عليه مع تفاقم التلوّث الغذائي، والطحين المغشوش في الخبز. وربما يلجأ الناس إليه كنوع من العلاج. فهو وفق إبن سينا “دواء لكلّ الأمراض”.