منذ اليوم الأول لانفجار مرفأ بيروت، مع ما خلّفه من ضحايا وجرحى ودمار، وقبل تعيين القاضي فادي صوان محققًا عدليًا في 13 / 8 /2020، سمعنا أكثر من جهة سياسية تطالب بـ “تدويل” التحقيق في “جريمة العصر”. والذين طالبوا بهذا “التدويل” كانوا يعرفون مسبقًا أن القضاء اللبناني أعجز من أن يصل إلى كشف حقائق هذا الانفجار أو هذا التفجير. واستندوا في مطالبتهم هذه إلى أن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تكن لتصل إلى النتيجة التي وصلت إليها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لو أنها تُركت للقضاء اللبناني، الذي أثبت بالوقائع الحسّية أنه خاضع للسلطة السياسية، أو أن قراراته تُملى عليه انطلاقًا من اعتبارات طائفية وسياسية.فالذين طالبوا بتدويل التحقيق كانوا يريدون أن تصل الأمور إلى غير المكان الذي وصلت إليه اليوم، وإلى غير المكان الذي أراد الوصول إليه الذين أصرّوا على أن يكون التحقيق لبنانيًا. وبوصول ملف التحقيقات اليوم إلى هذه الفوضى القضائية، وإلى هذا الانقسام العمودي والأفقي، والذي بدأ يأخذ مناحي طائفية، يجد أهالي ضحايا هذا الانفجار أنفسهم أمام حائط مسدود، وأمام واقع مأزوم، مع ما يعنيه ذلك أن كشف حقيقة كل ما جرى من ألفه إلى يائه لم يعد متاحًا، بعدما أصبحت هذه الحقيقية نسبية في معاييرها السياسية والطائفية. المشهد المرسوم أمام اللبنانيين اليوم هو مشهد أكثر من مبكٍ، وبالأخصّ بالنسبة إلى جميع الذين تضرّروا بهذا “الانفجار الهيروشيمي”. فيد القاضي البيطار مكفوفة بعد هذا الجدل “البيزنطي” بينه وبين المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، خصوصًا في غياب المرجعية القانونية والقضائية الصالحة للبت في هذا الخلاف – الصراع، والذي تفجّر جزء منه في اللقاء، الذي جمع عددًا من نواب الأمّة مع وزير العدل، الذي أكدّ أن لا صلاحيات لديه للبت بهذا الخلاف.
وأمام وصول القضاء اللبناني إلى ما وصل إليه من مأزق جوهري طال مبدأ العدالة بمفهومها الشامل لم يعد أمام أهالي ضحايا انفجار المرفأ وجميع المتضررين سوى اللجوء إلى المطالبة بلجنة تحقيق دولية حيادية وغير مسيسّة، للعمل على ملف شائك ومعقد، ووضع يدها على كل الملفات، التي تتعلق بما تمّ التحقيق به حتى الآن، تمهيدًا لتحويل هذه القضية إلى محكمة دولية للنظر في كل ما يمكن أن ينتج عن هذه اللجنة من معطيات قد تمكّنها من الوصول إلى كشف ما عجز القضاء اللبناني عن كشفه.
ولكن، هذه المطالبة ستصطدم بمن يرفض مبدأ “التدويل”،الذي من شأنه أن يضرب ما تبقّى من سيادة لبنانية، وسيكون من بين نتائجها المباشرة والفورية اصطفافات سياسية وحزبية وطائفية لا الوقت وقتها ولا المكان مكانها، خصوصًا أن البلاد تعيش كمًّا هائلًا من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والقضائية، التي لا تسمح ظروفها بالذهاب بهذا الملف إلى “التدويل”. فما العمل أمام عجز قضائي داخلي وأمام إنقسام اللبنانيين حول مبدأ “التدويل”، الذي قد يقلب صفحات الفصول للوصول إلى السابع منه، بعدما أثبت اللبنانيون أنهم قصّار ويحتاجون دائمًا إلى من يقودهم إلى المكان الصحّ.
المصدر: “لبنان 24”