29-مارس-2024

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”: 

فلننسَ همروجة الجنون وسلاطين الأرض الفاسدين الأشرار القاتلين المجرمين. ولنبحث في أحوالنا التي حالها حال. فلنبحث في النقل ووسائل النقل واتحادات النقل ونقاباته والبنزين الذي بات يحرق الفلوس والقلوب. فكيف ينتقل الموظفون الى أعمالهم؟ الدول عادة تنقل الجماهير من مكان الى آخر في مجال النقل أما هنا، فتتجمد الجماهير مندهشة في بلاد غريبة عجيبة لا قيمة فيها للإنسان؟

نعم نريد النقل المشترك. فأين هو؟ نعم نريد أن نركن مركباتنا ونصعد في سيارة أجرة «سرفيس» لكن ماذا عنها؟ ورزق الله على أيام الترامواي. فأين هو؟ الترامواي كان موجوداً في العام 1907 وجرى تدشينه في لبنان في عيد مولد السلطان العثماني الثامن والتسعين. جرى ذلك في عهد الوالي إبراهيم خليل باشا. لكن العمل توقف فيه في أيار 1964. فهل علينا بعد ثمانين عاماً أن نترحم على أيام السلطنة العثمانية؟ ليس لدينا إلا أن نغني «رزق الله على إيامك يا ترامواي بيروت».

في السادس عشر من كانون الأول عام 2022 أطلقت وزارة الأشغال في لبنان باصات النقل تجريبياً ضمن بيروت الكبرى. نقف عند المفارق. ننتظر على قارعة الطرقات. إنها باصات يتيمة فارغة تعبر الدرب من وقت الى وقت لا توحي بأن لها مستقبل. هي باصات حصلنا عليها هبة ومشكلتنا تبقى في تأمين صيانتها وإلا إنضمّت الى سابقاتها المشلوحة في باحات الكسر.

إتحادات «الثنائي»

ماذا عن سيارات الأجرة الصغيرة؟ ماذا عن تعرفتها؟ وماذا يمكن أن ينتظر كل راكب ينتظر على قارعة الطريق ويصعد في سيارة عمومية ويغلق الباب خلفه؟

تبرز في الموضوع، في موضوع إتحادات ونقابات النقل في لبنان، المسألة الطائفية، مسألة المسلم والمسيحي، الشيعي والماروني بالتحديد، مع العلم أن الركاب لا يبالون وهم يغلقون باب السرفيس وراءهم بغير كلفة النقل. رئيس الإتحاد العام لنقابات سائقي وعمال النقل في لبنان مروان فياض خرج للتوّ من المستشفى بسبب مرض ألمّ به. وهو يعرف تماما معنى أن يكون «الشوفير» مريضاً «وليس على خير». فماذا في جعبته من معلومات عن قطاع تهاوى منذ زمن ويكاد يتساوى الآن مع «الأرض». نسأل فياض عن مفهوم السرفيس وعجز الركاب عن سداد أسعار النقل فيعيدنا تلقائيا الى واقع إتحادات النقل في لبنان التي سيطرت عليه منذ البدايات الثنائية الشيعية. ثمة سياسة إستيلائية أعدّت منذ زمن وتُستكمل اليوم. فلنسمعه.

«هناك أربعة إتحادات للنقل في لبنان، واحد مسيحي وثلاثة إتحادات شيعية» يخبر مروان فياض ذلك شارحاً «أنا رئيس الإتحاد العام لنقابات سائقي وعمال النقل في لبنان منذ العام 2014، وهناك اتحاد بسام طليس الذي يُمسك باتحادات ونقابات قطاع النقل البري، وهو محسوب على حركة أمل وهذا ليس سراً. وهناك اتحاد الولاء للنقل البري ويديره أحمد الموسوي وهو يتبع «حزب الله». وهناك اتحاد رابع كان محسوباً في سالف الأيام على الحزب الشيوعي اللبناني برئاسة عبد الأمير نجده الذي توفي فخلفه علي محيي الدين واسمه إتحاد السائقين العموميين. تضم الإتحادات الأربعة 25 نقابة. وهناك نقابة للسائقين العموميين في بيروت تمّ الترخيص لها منذ أربعة أشهر، قبل إنتهاء ولاية ميشال عون». إذا، تراخيص نقابات النقل مستمرة في لبنان مع العلم أن لا سياسة نقل – ولا من يحزنون- ولا فائدة منها. فما لزوم ذلك في المنطق السياسي؟ الإمساك بالنقابات والإتحادات ومن خلالها بالإتحاد العام. وهل هناك أفضل من «الشوفيرية» ليكونوا خاتماً في أصبع أصحاب الحسابات؟ وفي التفاصيل أن كل ست نقابات يمكنها أن تشكل إتحاداً ولكل اتحاد صوتان في الإتحاد العمالي العام. هكذا يتم الإمساك بمفاصل الإتحادات «بقانونهم».

نعود الى النقل وتسعيرته التي باتت ترهق كل الطبقات. بسام طليس دعا – يوم انقلاب القضاء على نفسه – الى إجتماع يوم الإثنين المقبل لتحديد موعد إنتفاضة النقل البري. «بكير بعد… طليس سكت سكت ويوم عراك القضاة نطق» سائقون كثيرون رددوا ذلك. إتحاد مروان فياض سيلتقي هو أيضا اليوم للبحث في التعرفة وتطورات المحروقات ومعاناة السائقين ويقول النقيب فياض «نحن، قررنا تعرفة 80 ألف ليرة في قلب بيروت فاشتكى طليس علينا لدى وزير النقل. إتصل بي الوزير فلم أجب عليه».

هي فوضى

كل اتحاد للنقل يأخذ ما يشاء. لا تعرفة صدرت من وزارة النقل «هي لم تصدر تعرفة ولن تصدر» يقول فياض مضيفا «كلهم تتحكم بهم السياسة لا مصلحة «الشوفير» والمواطن، وما يلفت هو أن في المناطق حيث الإتحادات الأخرى يشتغل الخصوصي والمزور والتوك توك بنسبة 95 في المئة. وكل سائق يفرض التعرفة التي يريد».

هناك 33 ألف لوحة عمومية في لبنان وهناك أضعاف هذا الرقم من اللوحات المزورة والخصوصية على الطرقات. وكل من يشاء يعمل كما يريد وعلى عينك يا تاجر. فجأة بينما يخبر فياض ذلك نراه يصرخ: «ها هو… ها هو ميني باص خصوصي يأخذ ركاباً من مستديرة الدورة، تحت بصر رجل قوى الأمن».

لا تعرفة واحدة للنقل في لبنان. هناك من حدد التعرفة بالدولار. ستة دولارات في قلب بيروت. ثمة تجمعات للسائقين العموميين المنتسبين الى كل النقابات الموجودة. لا شيء واضحاً ولا خطة واضحة ولا قرارات رسمية في قطاع النقل واضحة. الإتحاد العام لنقابات سائقي وعمال النقل في لبنان سبق وحدد تعرفة قيمتها 80 ألفا في قلب بيروت. هي تعرفة صدرت يوم كان الدولار أقل من أربعين ألفاً. اليوم أصبح أكثر من ستين ألفاً ويبدو أن السائقين المنضوين في هذا الإتحاد «رايحين على مئة ألف ليرة».

التعرفة في قلب بيروت ستزيد عن مئة الف ليرة إلا إذا… هناك دائما: إلا إذا… مع العلم أن الجميع يدرك أن لا أحد من المسؤولين يسمع أو يبالي. وفي التفاصيل يقول فياض «نريد تأكيداً من وزارة النقل بضمان إعطاء حقوق السائقين. إنهم يريدون البنزين المدعوم وكلفة الكولييه والدواليب وقطع الغيار و… و… عدا كلفة الإشتراك في الضمان الإجتماعي التي ارتفعت الى مليون و200 ألف و.. و…». نترك النقيب يتابع تعداد المطلوب ونفكر بالمقدور فندرك أن المذكرة الموعودة لن تكون مجدية أبداً.

«كلهم قرطة حراميي». عبارة تتكرر في موضوع النقابات والسائقين واتحادات النقل والإتحاد العمالي العام الذي لم نسمع صوته إلا خافتاً بينما الدولار يحلق صعوداً بلا سقف. هو حقّ من حقوق اللبناني المسكين أن تعدّ من أجله خطة نقل لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود!

الباصات سياسة

النقل في لبنان له علاقة بالسياسة في لبنان. الباصات سياسة. والميني باص سياسة. وسيارات الأجرة الصغيرة أيضاً وأيضاً سياسة. ثمة سياسيون في لبنان أرادوا منذ البداية، منذ تسعينات القرن الماضي، الإستناد الى اتحاد عمالي مطواع، يستخدمونه وفق قاعدة: روح روح تع تع. واتحادات النقل ونقاباته مثال.

السائق مسكين والراكب – الزبون أيضاً. في هذا الإطار نسأل عما إذا كانت نسبة من كانوا يركبون النقل العام زادت بعد إرتفاع المحروقات أو انخفضت؟ يجيب أحد المعنيين بالقول: «راكب السرفيس غير راكب الأوتوبيس وغير راكب الميني باص. وما يلفت هو أن نسبة ركوب سيارة الأجرة انخفضت لمصلحة الأوتوبيس. الناس انخفضت قدراتهم المادية كثيراً وحتى الأوتوبيس أصبح يفوق قدراتهم غالباً. هناك 125 ألف أوتوبيس في لبنان. والتعرفة التي يتقاضاها بين الدورة مثلا وطرابلس هي 100 ألف ليرة، وبين زحلة والحازميه 100 ألف ليرة ايضاً. في المقابل الأوتوبيسات غير الشرعية تعمل على عينك يا تاجر وتتقاضى ما يحلو لها وتمرّ على حاجز ضهر البيدر ولا أحد يسألها: لوين؟ إنها الفوضى على كل الصعد.

هناك في لبنان 4000 ميني باص أيضا. وهناك، في المقابل، 15 ألفاً مزورة تجوب لبنان، ذهاباً وإياباً، ولا أحد يسألها: بأي حقّ تعملين؟

كان همنا بالركاب فأصبح همنا منصبّاً على السائقين والكل «بالهوا سوا». لم توضع خطة نقل واضحة في لبنان منذ أيام البحبوحة فكيف الحال في الأيام العجاف؟ الدولة مفلسة السائقين والركاب آخر همها. أما وضع الإتحاد العمالي العام فكارثي، في المطلق، فهل يفترض أن يتوقع منه أحد تنظيم إتحادات النقل التابعة له؟ طبعا لا. إنه جواب السائقين العموميين في العموم. هنا نستعيد ما قاله لنا مروان فياض: «راجعناه مرارا لكن لم «يطلع» منه شيء. هو في الأساس لا يجرؤ على النزول الى الشارع إلا بإشارة من الثنائي الشيعي». الإتحاد مكبل والإتحادات أيضاً والناس ضحايا. ماذا عن الدولة؟ أنسوها.